للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن كان القرآن من كلام محمد ، فلم عجزت العرب عنه؟!

إنَّ أحدًا منهم لم يستطع أن يجاريه، ولا أن يطعن في عربيته، ولذا: فإن أي طعن يوجه للقرآن من جهة عربيته من طاعن متأخر عن أبي جهل، وأبي لهب وأضرابهم، فاعلم أنه باطل في ذاته؛ إذ لو كان صحيحًا لما غفل عنه هؤلاء الأعداء، وهم أبصر الناس باللغة، وأحرصهم على الطعن في القرآن.

[الحجة الخامسة: ظاهرة الوحي.]

لم يكن الوحي حالة اختيارية تعتري محمدًا ، بل كان حالة غير اختيارية، وهذا - لمن يؤمن بالغيب - دليل على كون القرآن من عند الله، فقوة الوحي قوة خارجية، لأنها تتصل بنفس محمد حينًا بعد حين، وهي قوة عالمة، وهي قوة أعلى من قوته، لأنها تحدث آثارًا في بدنه، وهي قوة خيرة معصومة، لا توحي إليه إلا الحق، فماذا عسى أن تكون تلك القوة إن لم تكن قوة ملك كريم؟!

ولم يكن الوحي يعكس شخصية الرسول ، ففي أكثر الأوقات لا يذكر عنه شيئًا، وتأمَّل - مثلًا -: حين مات عمه أبو طالب، وزوجته خديجة، وحزن لذلك حزنًا شديدًا، ومع ذلك لم يشر الوحي إلى ذلك.

بل نجد في الوحي آيات اللوم والعتاب له ، كقوله سبحانه: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ٤٣﴾ [التوبة: ٤٣]، وقال سبحانه: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ١ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ٢ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ٣ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ٤ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ٥ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ٦ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ٧ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ٨ وَهُوَ يَخْشَى ٩ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ١٠﴾ [عبس: ١ - ١٠].

<<  <   >  >>