وَالثَّانِيَةُ: هُوَ ما يُمْكِنُ فِي الْقَبيلَيْنِ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ
يعني: أن الطريقة الثانية هو ما يمكن في القبيلين، والقيلان هما: السباع والطير، وهذه طريقة ابن بشير. قال بعد كلام اللخمي: وهذا الذي حكاه أبو الحسن ليس بخلاف، وإنما صحح المصنف هذه الطريقة؛ لأن الله جل ثناؤه لم يشترط غير التعليم ولم يدل دليل على وجه خاص، وما يكون كذلك فإنما يكون محمولاً على العرف، ألا ترى أن الناس يوصف بعضهم بالتعليم وبعضهم بعدم التعليم، وهذه الطريقة وإن كانت ظاهرة في المعنى إلا أن الرواية لا تساعدها.
أما الطير فلا يشترط فيه عدم الأكل اتفاقاً؛ لأنه لابد له من الأكل غالباً، وأما الوحش فالمشهور كذلك، والقول الشاذ ذكره أبو تمام، ووجهه ما تقدم في حديث عدي:"فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه"، وحمل في المشهور ذلك على الكراهة؛ لما في أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام:"فكل وإن أكل منه" جمعاً بين الأدلة.
المازري: وأشار ابن المواز في الاعتذار عن حديث عدي إلى أن حديث الأكل صحبه العمل، وقال به الصحابة رضوان الله عليهم: علي، وابن عمر، وسعد بن أبي الوقاص، وغيرهم رضي الله عنهم، وما صحبه العمل أولى، وأشار ابن حبيب إلى أن حديث عدي قد روي من طريق على معنى حديث الأكل. وقال الباجي: حمل شيوخنا حديث عدي على ما إذا أدركه ميتاً من الجري أو الصدم فأكل منه، فإنه صار إلى صفة لا تعلق للإمساك بها. ويبين هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أمسك الكلب فكل وإن أَخْذ الكلب ذكاته".