لأن الأمير قد يرى المصلحة للمسلمين في تأمين العدو أو بعضهم إما مطلقاً، أو مقيداً بزمان أو مكان أو صفة. ابن بشير: ولا خلاف بين الأمة في ذلك، وإذا جاز هذا لأمير الجيش فلأن يجوز لأمير المسلمين أولى ووجب عليه اعتبار المصلحة؛ لأنه وكيل على المسلمين والوكيل إنما يتصرف على هذا الوجه ولا يجوز له اتباع هواه، فإن قلت: ينبغي أن يحمل قوله: (مُطْلَقاً) على ما عدا هذه الأمكنة؛ لأن المذهب اختلف في المستأمن بأمان سلطان إذا خرج إلى سلطان آخر هل يستبيحه هذا السلطان أم لا؟ قيل: إن بنينا على ما قاله المازري وغيره: من أنه لا خلاف في المسألة، كان ما ذكره المصنف من الإطلاق متفقاً عليه. وإن بنينا على ما قاله ابن يونس: أن المشهور تعميم الأمان، خلافاً لابن الماجشون في قصره ذلك على بلد السلطان، يكون كلام المصنف جارياً على المشهور. والله أعلم.
فرع: ليس لأحد الناس أن يعقد الأمان لأهل إقليم، وإن وقع فالإمام مخير في إمضائه، وإنما ذلك للسلطان، هكذا قال غير واحد.
تقدم أن الإقليم لا يعطي أهله الأمان إلا الأمير، فكلام المصنف ليس على إطلاقه، وكلامه مشتمل على خمسة شروط؛ لأن قوله:(حُرٍّ) يفهم منه الذكورية.
وقوله:(وكَذَلِكَ) أي: يجوز تأمينه وليس للإمام رده، وهو قول مالك وابن القاسم. وقال ابن الماجشون: الإمام مخير بين أن يمضيه أو يرده، وإلى حمل قول ابن الماجشون على الخلاف ذهب عبد الوهاب والباجي وغيرهما، وهو ظاهر كلام المصنف.