وفي هذا التشبيه تنبيهٌ على مذهبِ الشافعيِّ، فإنه يقولُ: لو وجد الماءَ لبعضِ أعضائهِ أنه يَسْتَعْمِلُه، ثم يتيمم. ومنشأُ الخلافِ قولُه تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}[المائدة: ٦] هل هو محمولٌ على وجودِ الكفايةِ أو على مطلَقِ الوجودِ؟
فإن قلتَ: كيف اختلف مالك والشافعي في واجِدِ ما لا يَكفيه، واتفقا على أنه إن وَجَدَ بَعْضَ الرقبةِ لا يَعْتِقُ، ويَصوم؟
فالجوابُ أن الله عز وجل لما قدَّم ذِكْرَ الرقبة في صدرِ آيةِ الكفَّارَةِ في قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المجادلة: ٣] ثم قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}[المجادلة: ٤] اتُّفِقَ على أن قولَه تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}[المجادلة: ٤] محمولٌ على مَن لم يَجِدْ ما تَقَدَّمَ النَّصُّ عليه، بخلافِ آيةِ الوضوءِ، فإنه لم يتقدم ذِكْرُ الماءِ في صَدْرِها، ولذلك جاء الاضطرابُ.
ومما يناسبُ هذا ما نَقَلَه المازريُّ عن بعضِ العلماءِ أنه إذا وَجَدَ ما يُزيل به بعضَ ما عليه مِن النجاسةِ– أنه يَجِبُ عليه إزالةُ ذلك البعضِ. وكذا قال المازري: يَجِبُ عليه سترُ ما قَدَرَ عليه مِن عورتِه إذا لم يَجِدْ إلا ما يَكفيه لبعضِها. وفَرَّقَ بينهما وبين المتيممِ الواجِدِ دونَ الكفايةِ– أَنَّ وَاجِدَ الماءِ إنما لم يَجِبْ عليه استعمالُ ما لا يَكفيه لأنه فَعَلَ بَدَلاً يَقوم مقامَه، وهو التيممُ، بخلافِهما. قال: ومما يَنْخَرِطُ في هذا المسلكِ المضطرُ للميتةِ، وعنده اليسيرُ مِن الطعامِ الذي لا يَسُدُّ رمَقَه، فإنه يَجِبُ عليه أَكْلُه، ثم بَعْدَ أَكْلِه يَنتقلُ إلى الميتةِ.
ولا يكون هذا حُجَّةً لمن قال: إن الواجِدَ مِن الماءِ ما لا يَكفيه يَجِبُ عليه استعمالُ ما وَجَدَ؛ لأن اليسيرَ مِن الطعامِ له أَثَرٌ في إمساكِ الرَّمَقِ، فلذلك وَجَبَ استعمالُه، والغرضُ مِن الطهارةِ رفعُ الحَدَثِ، وهو لا يَرتفعُ إلا بالفراغِ مِن الطهارةِ.
قال: وأما مَن قال: يَرتفعُ حَدَثُ كُلِّ [٣١/أ] عضوٍ بالفراغِ منه، ففي انفصالِه عن مذهبِ الشافعيِّ وإلزامِه كلامٌ يَغْمُضُ. انتهى.