والثاني لا يَبْطُلُ – وهو الأظهرُ– لأنَّ ما تركوه مِن هذا الماء غايتهُ أن يكون مملوكاً لهم، فكُلُّ واحدٍ منهم لم يَملك ما يُكْمِلُ به الطهارةَ، فلم يَبْطُلْ التيممُ. والقولان لسحنون، قاله في البيان.
فرع:
في العتبية: قيل لسحنون: لو أن رجلاً معه ماءٌ، قال لرجلين قد تَيَمَّمَا: وهبتُ لأحدِكما. ولم يُسَمِّ أحداً، فقال: قد وَجَبَ لأحدِهما وهو مجهولٌ ولا يُعْرَفُ، وليس لهما رَدُّ هذه العطيةِ؛ لأنها مِن البِرِّ، فإنْ أَسْلَمَه أحدُهما لصاحبِه فقد انتقضَ تيممُه. وكذلك لو قال لثلاثةٍ أو أربعةٍ: هو لأحدكم. فأَسْلَمُوه لواحدٍ منهم– انتَقَضَ تيممُهم. قيل له: فلو أَعْطَى ذلك لجماعةِ جيشٍ أو لقومٍ كثيرين، فأَعْطَوْه واحداً. فقال: أما إذا كثروا فأَرَى تيممَهم تامّاً. قيل: فلو قال لثلاثةٍ: هذا الماءُ لكم. فقال: ليس هذا مِثْلَ الأَوَّلِ؛ لأن هذا قد وَجَبَ لكلِّ واحدٍ نصيبهُ بلا شَكٍّ، وليس في نصيبهِ ما يَكفيه لوضوئِه، فإذا هو أعطى نصيبَه لم يَنْتَقِضْ تيممُه.
قال في البيان: تأوَلَ ابنُ لبابة على سحنون في هذه المسألة أنه إذا قال: قد وهبتُ هذا الماءَ لأحدِكم– فسواءٌ أكانوا ثلاثةً أو اثنين، أو عشرةَ آلافٍ– ينتقضُ تيممُ الجميعِ. وإن قال: قد وهبتُ هذا الماءَ لكم. فلا يَنتقضُ إلا تيممُ مَنْ أُسْلِمَ إليه– كانوا اثنين أو عشرةَ آلافٍ.
والظاهرُ مِن قولِه خلافُ ذلك أنه إذا كان عددُهم كثيراً فسواءٌ أقال: هذا الماءُ لكم، أو هو لأحدِكم. لا ينتقضُ إلا تيممُ الذي أُسْلِمَ إليه الماءُ وَحْدَهُ. وإن كان عددُهم يسيراً كالرجلين والثلاثةِ، ونحوِ ذلك، فقال: هذا الماءُ لأحدِكم. انتقضَ تيممُهم إِنْ أَسْلَمُوه لواحدٍ منهم. وإن قال: هذا الماءُ لكم. لم ينتقضْ إلا تيممُ الذي أُسْلِمَ إليه وَحْدَهُ. انتهى.
وكأنه إنما فَرَّقَ في (لأَحَدِكُمْ) بَيْنَ الجماعةِ اليسيرةِ والكثيرةِ لعمومِ الحرجِ في حقِّ الجماعةِ الكثيرةِ.