رَبُّهُ أَوْلَى لا لكونِه ميتاً، بل لِمِلْكِه للماءِ، وَلَوْ كان حيّاً لكان أَوْلَى.
وانظرْ كيفَ يُضَمَّنُ قيمتَه هُنَا مع ما قاله أهلُ المذهبِ إذا استهلكَ طعاماً في غلاءٍ، ثم حُكِمَ عليه في الرخاءِ، فإن الْمَشْهُورِ لا يُقْضَى عليه إلا بالمِثْلِ.
وما قاله المصنفُ في بابِ قضاءِ الدَّيْنِ لو تَسَلَّفَ فُلُوساً ثم انقطعَ التعاملُ بها– فالْمَشْهُورِ المثلُ. وما قاله في باب الغصب: فإنْ فُقِدَ المِثْلُ صَبَرَ حتى يُوجد عند ابن القاسم، وله طلبُ القيمةِ الآنَ عندَ أشهبَ. إلا أن يُقال: لو أُخِذَ منه المِثْلُ لكان في موضعِ السَّلَفِ، وذلك في غايةِ الحَرَج، إِذْ الغالبُ أن الاحتياجَ للماءِ إنما يكونُ بموضعٍ يَتعذرُ الوصولُ إليه في كلِّ وقتٍ. ومكانُ السَّلَفِ عندنا معتبرٌ في ضمانِ المثلياتِ ما عدا الدراهم والدنانير، ويُراعى في القيمةِ الزمانُ والحالُ مِن كثرة الرُّفْقَةِ وقِلَّتِها، وكثرةِ الطلبِ له.
ابن راشد: والحكمُ عندنا في قَفْصَةَ في المياهِ تُسْلَفُ في الصيفِ أو وقتِ الربيعِ- فإنها تكونُ حينئذٍ مطلوبةً، ولا كثيرَ ثَمَنٍ لها في أوائلِ الشتاءِ– بِالْقِيمَةِ، وأفتى بعضُ المعاصِرِينَ بالمِثْلِ. انتهى. وإنما كان الجنبُ أَوْلَى إذا خَشِيَ العطشَ لإحياءِ النفوسِ.
قال ابنُ القاسم: الحَيُّ أَوْلَى، ويَضْمَنُ قيمةَ نصيبِ الآخَرِ؛ لأنَّ غُسْلَ الجنابةِ مُجْمَعٌ عليه. وقال ابن العربي: الميتُ أَوْلَى؛ لأنها طهارةُ خَبَثٍ، وهي أَوْلَى؛ ولأنها آخِرُ طهارتِه مِنَ الدُّنْيَا. والجوابُ عن الأوّل مَنْعُ أن تكون طهارةُ الميتِ للخَبَثِ، ويعضِدُه أن التيممَ يَقومُ مقامَ الماءِ، وعن الثاني أنّ ما ذَكَرَه وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، فإن تطهيرَ الحيِّ بالماءِ يَعُودُ صلاحُه على الميتِ.