الأوَّلِ أَنَّ مَن نوى استباحةَ الصلاة، أو القراءةَ في المصحف ونحوَهما لا يُجزئه ذلك؛ لأن ذلك يُستباح بالغُسل من الجنابة.
وأُجيب بأنَّ الغُسلَ مُستَلْزِمٌ للوضوء. وعلى كلا الوجهين يُنتقض كلامُه بالتيمم؛ لأنه تُستباح به العبادةُ، وليس بوضوءٍ. والأَوْلَى أَنْ لو قال: هو استباحةُ ما كان ممتنعاً منه، أو كقول ابن شاس: أو استباحة ما لا يُستباح إلا بالطهارة. لِعُمُومِه.
على أنَّ لقائلٍ أَنْ يقول: في كلام ابن شاس نظرٌ؛ لأنه إن أراد بالطهارةِ الطهارةَ الأصليةَ– أعني الحدثَ الأصغرَ والأكبرَ دونَ بدلهِما– ففيه إطلاقُ العامِّ وإرادةُ الخاصِّ، ويَرِدُ عليه التيممُ. وإن أراد بالطهارةِ الطهارةَ الكبرى أو الصغرى وبدلَهما– فيَرِدُ عليه ما لو نوى بوضوئِه قراءةَ القرآن طاهراً فإنه لا يُجزئه ما أنها لا تُستباح في حق الجُنُبِ إلا بالغسل، والله أعلم.
وقوله:(وَإِمَّا بفَرْضِيَّتِهِ) أي: ينوي أداءَ الوضوء الذي هو فرضٌ عليه. وبه صرح ابن شاس، فإنه قال: أو أرادَ فرضَ الوضوءِ. وعلى هذا يَخرج عنه الوضوءُ للتجديد، ويَدخل فيه الوضوء للنوافل.
وما قاله ابن هارون مِن أنه يَحتمل أن يريد أداءَ ما افتُرِضَ عليه من العبادات. وعلى هذا يَخرج الوضوءُ للنوافل– ليس بظاهر؛ لأن إعادةَ الضميرِ على غيرِ مذكورِ؛ ولأن تخصيصَ [١٥/ب] وضوءٍ بالفريضة– ليس بظاهر، إذ لا وجهَ للتخصيص، والله أعلم.
قال بعضهم: بناءً على أنَّ حقيقةَ رَفْعِ الحَدَثِ مغايرةٌ لاستباحةِ الصلاة– إن صاحبَ السلس والمستحاضة ينويان بوضوئهما الاستباحةَ لا رفعَ الحدثِ؛ لأن الحدثَ دائمٌ. وهذا يَظهر على القول بأن بولَ صاحب السلس حدثٌ، ويَسقط عنه الوضوء لكل صلاة للمشقةِ. وأما على رأي العراقيين الذين يجعلون بولَه كالعَدَمِ، ويَشترطون في الحدثِ الصحةَ والاعتيادَ– فلا يَلزم.