للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال من الحديث عند المرجئة:

أن الله تعالى أخرج أقوامًا من النار ليس معهم إلا اعتقاد القلب لا (عمل عملوه، ولا خير قدموه) مما يدل على أن فاقد العمل عنده إيمان صحيح يخرج به من النار.

والجواب عن ذلك: أن هؤلاء الذين يدخلهم الله الجنة بعد ما يعذبهم لم يكونوا تاركين للعمل مطلقًا، بل لديهم عمل ولكنه عمل قليل به يتحقق أصل الإيمان لا كماله، وهذا هو معنى قوله: «بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ» أي: لم يأتوا بأعمال زائدة على أصل الإيمان بل اقتصروا على الأعمال المحققة لأصل الإيمان، والأحاديث الواردة في مثل سياق حديث أبي سعيد قد دلت على أن القوم لم يكونوا تاركي العمل، فمن ذلك:

ما أخرج البخاري ومسلم من طريق عطاء بن يزيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ... حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الملَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا (١)، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الحيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الجنَّةِ دُخُولًا الجنَّةَ ... » الحديث (٢).


(١) أي: احترقوا. ينظر: شرح النووي على مسلم (٣/ ٣٦).
(٢) صحيح البخاري (٨/ ١١٧) رقم (٦٥٧٣)، وصحيح مسلم (١/ ١٦٣) رقم (١٨٢).

<<  <   >  >>