والله عز وجل لم يطلع خلقه على جميع حكمه، بل أعلمهم بما شاء، وما خفي عليهم أكثر مما علموه، فيجب على المسلم أن يعتقد أن أفعال الله وأوامره لا تخلو من الحكم الباهرة التي تحير العقول، وقد تدركها أو لا تدركها.
• حِكَم الله في خلق إبليس:
إذا تأملنا في خلق إبليس لوجدنا من ورائه حكمًا كثيرة:
الحكمة الأولى: أن يظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات والمتقابلات فخلق هذه الذات (إبليس) الذي هو من أخبث الذوات، وسبب كل شر، وخلق في مقابلها ذات جبريل التي هي من أشرف الذوات وأزكاها والتي هي مادة كل خير فتبارك من خلق هذا وهذا، كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والداء والدواء، والموت والحياة، والحسن والقبح، فالضد يظهر حسنه الضد، وهذا أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه.
الحكمة الثانية: أن يكمل لأوليائه مراتب العبودية، وذلك بمجاهدة إبليس وحزبه، وإغاظته بالطاعة لله، والاستعاذة بالله منه، ولجوئهم إلى الله أن يعيذهم منه ومن كيده.
فظهر بذلك أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب أنواع العبودية لله، وهذه إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس وتقديم محبته على محبة كل من سواه، فكان خلق إبليس سببًا لوجود هذه الأمور.
الحكمة الثالثة: خلق الله إبليس ليكون مركز امتحان يمتحن به الخلق ليتبين الخبيث من الطيب.