إذا قيل: كيف يريد الله أمرًا، وفي الوقت نفسه لا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يجمع بين إرادته له وبغضه وكراهته؟ {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزُّمَر: ٧].
فالجواب: أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره، فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته لما فيه من الخير كالصلاة، والمراد لغيره قد لا يكون مقصودًا لما يريد، ولا فيه مصلحة بالنظر إلى ذاته، كتقدير الفسق والفواحش والمعاصي والكفر فقد قدر سبحانه حصول ذلك وهو لا يحبه للمصالح التي وراء ذلك كالدواء الكريه الطعم إذا علم الإنسان أن فيه شفاءه أحبه من وجه وإن كان يبغضه من وجه آخر، وقل مثل ذلك في العضو المتآكل من الجسد بما يُسمى (الغرغرينا) إذا علم أن في قطعه بقاء لجسده، وكقطع الطريق الشاق إذا علم أنه يوصله إلى مراده، كالذي يقطع الفيافي والمفاوز والقفار قاصدًا البيت العتيق.
ومن هنا يتبين لنا أن الشيء يجتمع فيه الأمران: بغض من وجه، وحب من وجه آخر، ولنضرب على ذلك مثالين مع بيان الحكمة من ذلك:
الأول: خلق إبليس والحكمة من ذلك:
فقد خلق الله عز وجل إبليس الذي هو مادة الفساد التي تمد كل فساد في هذه الدنيا في الأديان والاعتقادات والشهوات والشبهات، وهو سبب من أسباب شقاء العباد، وعملهم بما يغضب الله عز وجل، وهو مع ذلك وسيلة إلى محبوبات كثيرة وحكم عظيمة.
وقبل الحديث عن تلك الحكم يجدر بنا أن نتنبه لأمر مهم وهو أنه لا يلزم من إثبات تعليل أفعال الله بالحكم والمصالح، العلم بعلة كل فعل وكل أمر؛ بل الواجب على المسلم أن يعتقد أن لله تعالى في جميع أفعاله حكمًا جليلة.