وهذا التقسيم الذي ذكرته للبدعة لا يتعارض مع كون البدع كلها ضلال؛ لأنَّ الضلال درجات: فمنه الكفر، ومنه الفسق، ومنه ما دون ذلك، والبدع في كليات الدِّين ليست كالبدع في جزئياته، وبعض الأعمال توصف بأنها بدعة من جهة الصفة أو الهيئة مع أنَّ أصلها مشروع، وهو ما يعرف بالبدع الإضافية وهي ما ثبت أصله في الشرع غير أن مكانه أو زمانه أو كيفيته محدثة، وبعض هذا النوع من البدع يستند فيها أصحابها على أحاديث ضعيفة، أو تأويلات غير صحيحة، والقول بتفسيق مقترف هذا الصنف من البدع يعدُّ من الشطط.
وقد سبقني إلى هذا التقسيم للبدعة عددٌ من العلماء المتقدمين والمعاصرين، ولعلي أنقل أقوال بعضهم في هذا الصدد.
قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «إن البدع إذا تؤمل معقولها وجدت رتبتها متفاوتة: فمنها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن ... وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدِّين ذريعة لحفظ النفس والمال، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح.
ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف؛ هل هي كفر أم لا؟ كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة، ومن أشبههم من الفرق الضالة.
ومنها ما هو معصية، ويتفق عليها، وليست بكفر كبدعة التبتل، والصيام قائمًا في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع» (١).