للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلِمَ لا يمسكون، ولأمير المؤمنين لا يخبرون! وهو أمر جَلَلٌ؟ !

فالرأي صار حَكَمًا، والعقل أصبح مرجعًا لفهم القرآن دونما الأثر والاتباع.

فأخذه عمر، وجلده، ثم حبسه، ثم جلده، وحبسه ثم جلده، وحبسه ثم قال صَبِيغٌ: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد قتلي فاقتلني، ولكن قد ذهب الذي أشكو، فنفاه إلى العراق، ومنعه من مجالسة الناس، ثم صلح حاله، فلما قامت فتنة الخوارج -فتنة الفكر والتقول على الله تعالى بغير علم- جاء الناسُ صَبِيغًا، فقالوا:

قم يا صبيغ، فقد جاء دورك، فقال: أَدَّبَنِي الْعَبْدُ الصَّالِحُ. (١)

فَتَدَبَّرْ هذا الجزاء القاسي، والتأديب الشديد من أمير المؤمنين، سيد المتبعين في زمانه، لِمَنْ أراد أَنْ يُعْمِلَ عقله، ويُحكِّمه على كتاب خالقه العليم الخبير.

وَسُئِلَ عطاء عن شيء، فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيه برأيك؟ قال: ((إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ يُدَانَ فِي الْأَرْضِ بِرَأْيِي)) (٢).

فهذا حال عطاء رحمه الله .. وما أدراك ما عطاء بن أبي رباح ...

قال الذهبي (٣) عن عطاء هذا: ((شَيْخُ الْإِسْلَامِ، أَدْرَكَ مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -)).

وقال ابن عباس: ((تَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَعِنْدَكُمْ عَطَاءٌ حَجَّ سَبْعِينَ


(١) الدارمي (١/ ٦٧) والآجري في الشريعة (١٤٨) وابن عساكر في تاريخ دمشق (٨/ ٣٣٠) وابن وضاح (٥٦) وذكره الخلال (٢٢٨) والشاطبي في الاعتصام (١/ ٨٠) وابن حجر في الإصابة (٣/ ٢٥٨) وغيرهم.
(٢) الدارمي (المقدمة رقم ١٠٧).
(٣) سير أعلام النبلاء (٥/ ٧٨).

<<  <   >  >>