للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: ((مَا حَدَّثُوكَ هَؤُلَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخُذْ بِهِ، وَمَا قَالُوهُ بِرَأْيِهِمْ فَأَلْقِهِ فِي الْحُشِّ)) (١).

ولقد كان من الأخطاء الجسيمة التي نشأ عليها كثير من شباب هذه الصحوة بخاصة، والمسلمون بعامة؛ عَدَمُ إدراك هذه القضايا التأصيلية العظيمة .. فلا يفرقون بين أثر ورأي، ولا بين اتباع وفكر .. فأتهاهم من أتاهم، فحرك حماسهم، وَهَيَّجَ نفوسهم .. فهبوا مع الرياح .. وطاروا مع كل جناح .. فكانت الأجنحة من هواء .. فسقطوا إذ سقط، وفروا إذ أُسِرَ .. ويئسوا إذ قُتِلَ.

فما أضعفَ عقولَ ((الأرائيين))، وما أضلهم!

وما أعقلَ المتبعين، وما أهداهم! جعلنا الله وإياكم منهم.

وإنه لمن الغش لهذه الأمة أن يُجْعَلَ رأي ارتآه رجل دينًا لها يُدْعَى إليه، وَيُنَافَحُ عنه.

وإن من أبرز صفات العاقل:

أن يميِّز بين الأثر الذي هو من الرب الحكيم الجبار، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والذي هو دين يجب أن تدين به الأمة، وبين الرأي الذي هو رأي لضعيف مربوب، وفكر مخلوق، وما لم يفرق الناس بين هذا وذاك فَهُمْ في هلكة.

ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:

((إِيَّاكُمْ وَأَرَأَيْتَ أَرَأَيْتَ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَرَأَيْتَ أَرَأَيْتَ)) (٢).


(١) الحش: المكان الذي تُقضى فيه الحاجة، ويُلقى فيه القذر.
(٢) عزاه ابن القيم في إعلام الموقعين لسنن سعيد بن منصور، وذكر سنده (١/ ٥٧).

<<  <   >  >>