للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا شرع في القنوت بلعن الكفار، أنزل الله قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] .. فتدبر.

و((المتأمل لهذه الآية: {ليس لك من الأمر شيء}، لا يجد فيها نهيًا صريحًا، وإنما يجد أدبًا رفيعًا، ومنهجًا قويمًا، في معالجة قضية النصر والهزيمة، فإن الآية نزلت في سياق أُحد، وما حصل في أحد، فتأثر المسلمون لما حصل تأثرًا بليغًا، وراح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلعن بعض الكافرين، ويقول: ((كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ )) وكأنه - صلى الله عليه وسلم - قطع طريق الهداية على أولئك النفر الذين فعلوا ما فعلوا، وخشية أن يعتقد المسلمون أن السبب الأول والرئيس للهزيمة، هو: هؤلاء الملعونون، وليس مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتنازع؛ أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨].

ثم ذكر الله بعد ذلك الأسباب الحقيقة الكامنة وراء الهزيمة.

فقال سبحانه:

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ ... }.

فهذه هي الأسباب الحقيقية وراء هزيمتكم، فلا ينفعكم لعن فلان لجلب نصرٍ، ولا استبعاد الهداية عن فلان لدفع هزيمة)) (١).

ولو كان النصر بكثرة الكلام عن الكفار ولعنهم، لكان المسلمون المعاصرون أكثر الناس قوة، وأكثرهم نصرًا.

ثانيًا: فيه تعظيم للكفار في نفوس المسلمين، وأنهم وراء كل مصيبة تحل بالمؤمنين، مما يزيد هيبةَ الكفار في نفوس المسلمين رهقًا.


(١) من كتاب ((أحكام القنوت)) ص ٦٧ للمؤلف.

<<  <   >  >>