للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك لَمَّا طلب أصحاب بيعة العقبة الثانية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البدءَ بالقتال، والهجوم على الأعداء، أَبَى عليهم ذلك، ومنعهم منه (١).

إذن؛ كان المسلمون يتشوقون إلى القتال، وَيَتَمَنَّوْنَ الجهادَ، ولكن لم تكن المصالح وقتئذ أكبرَ من المفاسد وأعظمَ، بل كان العكس هو الصواب؛ ولذلك لم يُؤْذَنْ لهم به، وهذه هي العلة الصحيحة التي يجب أن يُقاس عليها في كل زمان، ومكان.

[الأسباب الكامنة وراء حكمتهم وصبرهم]

من هذه الأسباب:

الأول: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم.

وهذا أمر مُعْتَبَرٌ شرعًا وواقعًا ...

الثاني: لأنهم في دار ضَعْفٍ، وَذُلٍّ .. وليسوا في دار قوة، وَمَنَعَةٍ.

وإذا كانوا كذلك من الضعف والقلة .. فأين يداوون جريحهم؟ !

وكيف يوارون شهيدهم؟ !

وأنى يُوَفِّرُونَ مواردهم، وأعداؤهم من فوقهم، والمسلمون لا يملكون من أسباب التمكين شيئًا سوى العاطفة الخادعة، والحماس المتهور، وإنهما لن يغنيا عنهم شيئًا؟ !

وحينئذ فإنهم سيساقون إلى السجون كالنعاج .. وإلى المذابح كالدجاج.

الثالث: مصلحة بقائهم على الدعوة -على ضعف واستمرار- خيرٌ من الانتصار لظلمهم على خطر وانقطاع، ونتائج لا تُحْمَدُ عقباها.

قال ابن القيم: في ((الإعلام)) (٢/ ١٥٠):

((إنه تعالى نهى المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد، وأمرهم بالعفو


(١) راجع تاريخ الإسلام للذهبي، بيعة العقبة الثانية.

<<  <   >  >>