للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن حماد بن سلمة: مَنْ طَلَب الحديثَ لِغَيْرِ اللهِ مُكِرَ بِهِ.

فينبغي للعَاقلِ إذا عَزَمَ على طَلَبِ العِلْمِ أن يَسأَلَ اللهَ بِعَزْمٍ وَصِدْقٍ وإخلاصِ نِيَّةٍ أن يُوَفِّقَهُ للعَمَلِ به ويعينه عليه، وأن يُخَلِّصَهُ من الدَّعاوى والكِبْرِ والتَّرَافُع وتزكِيَةِ النَّفْسِ، وأن يُيَسِّرَ لَهُ شَيْخًا صَالِحًا، عَارِفًا نَاصِحًا مُخْلِصًا، عَدْلًا نَاسِكًا، يُبادرُ على بركة الله تعالى بلا تَوَقُّفٍ ولا تَأْخِيرٍ مُسْتعينًا بالله.

قال عليه السَّلامُ: "احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللهِ، ولا تَعْجَزْ" (١).

وَليُجِدَّ الطَّالِبُ في طَلَبِهِ غايةَ ما يمكِنُهُ، قال يحيى بن أبي كثير: لا يُنالُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ.

وقال الشَّافعيُّ رضي الله عنه: لا يَطْلُبُ هذا العِلْمَ من يطلبه بالتملُّلِ وغِنَى النَّفْسِ فَيُفْلحَ، ولكن مَنْ طَلَبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وضيق العَيْشِ، وخِدْمَةِ العِلْمِ، أفلَحَ.

ولْيُجِلَّ الطَّالِبُ الشَّيْخَ وَيعظِّمْهُ ويتواضَعْ مَعَهُ غايةَ ما يُمْكِنُهُ، فيكونَ بين يديه كأَنَّهُ لا وجودَ لَهُ، قال مُغِيرَةُ: كُنَّا نَهابُ إبْراهيم كما نهاب الأَمير (٢). وقال الشَّافِعي: كُنا نَجْلِسُ بين يدي مَالك وكَأَنَّ الطَّيْرَ على رؤوسِنا.


(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٥٢) من حديث أبي هريرة.
(٢) إبراهيم هو النخعي، والأثر أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (١/ ١٨٤).

<<  <   >  >>