ينتفعْ به. وكان بَعْضُهُم إذا ذَهَبَ إلى شَيْخِهِ يَتَصَدَّقُ بشيءٍ، ويقول: اللَّهُمَّ استر عَيْبَ مُعَلِّمِي عني ولا تُذْهِبْ بركَةَ عِلْمِهِ مني.
ولا يُظْهِرْ بين يديهِ أَّنَّهُ عَارِفٌ أو حَافِظٌ أو نَبيلٌ أو نحو ذَلِكَ. فلو أَلقى إِليه شيئًا يَعْلَمُهُ يُظْهِرُ لَهُ أنَّهُ خالي الذِّهْنِ منه، وَأنَّهُ ما سَمِعَهُ قط من غَيْرِهِ، وإن أَخْطَأَ في شيء أو سَبَقَ لِسانُهُ أعادَ السُّؤالَ بِلُطفٍ وَحُسْنِ عبارةٍ وأدبٍ لعله يتذكر، فلا يقولُ له هذا خطأ، أو ما قالَ به أحد، أو غيركَ قال خلاف هذا، أو لا أُسلِّمُ لَكَ، وشبهها، فلا ينبغي للطَّالِبِ أن يُواجِهَ الشَّيْخَ بشيءٍ من ذَلِكَ، فإنَّهُ أمر مذمومٌ وصاحبه مخطئٌ ملُومٌ.
وقد يُقال إِنه مأْزُورٌ ومَأْثُومٌ؛ لأَنَّ إساءةَ الأَدب تَمْنَعُ صاحِبَها بُلوغَ الأَرَبِ، وتُبَعِّدُهُ من كُلِّ خَيْرٍ، وتجْلُبُ له كُلَّ غمٍّ وهمٍّ وضير، وتسدُّ عنه أبوابَ الفوائد، وتَحْرِمُهُ جَمِيلَ العَوائِدِ، وَتُسَلِّطُ عليه لسانَ كُلِّ أَحَدٍ من عارفٍ وجَاهِلٍ ومُعانِدٍ.
إذْ نفوسُ السَّادَةِ العُلَمَاءِ كَرام؛ لأَنَّهُم لم يعتادوا خُشونَةَ الكلامِ، ولا المخاطبةَ بعباراتِ اللئامِ، ولا المشافهةَ بما تشَافَهُ به العوامِ؛ لأَنَّ الله تعالى ميّزَهَمُ بما فهمه عبادُهُ الموفَّقُونَ بقوله سبحانه:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]، وبقوله جل من قائل قولًا يعتقده الحكماء:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨].