للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١٧)} [النحل: ١١٦ - ١١٧]، ويكونُ حينئِذٍ مِمَّن قَالَ فيهم عليه السَّلامُ: "المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبي زُورٍ"، متفق عليه (١).

والمُتَشَبِّعُ هو الذي يُظْهِرُ الشِّبَعَ وليس بشَبْعانَ، ومعنَاهُ هنا أن يُظْهِرَ أَنَّهُ حَصَلَ له فضيلة في العِلْمِ أو غيره، والواقِعُ أنها ما حصلت، فيكونُ مُزَوِّرًا ومُلَبِّسًا حالَهُ على النَّاس بأن يتزيَّا بزِيِّ أَهْلِ العِلْمِ أو الزُّهْدِ أو الثّرْوةِ ليغتَرَّ بِه النَّاسُ، وليس هو بِتِلْكَ الصِّفةِ، وسببُ هذا فَقْدُ العُلماءِ أو قلّتُهُمْ. وكما قَالَ عليه السَّلامُ: "إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، ولكن يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَساء جُهَالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (٢).

إذا عَلِمتَ ذلِكَ فاعلَمْ أَنّه لا ينبغي لأَحدٍ أن يتزيَّا بِزي يُظَنُّ فيه بسَببِهِ أَنَّه عَالِم أو فقيهٌ أو نحو ذَلِكَ حَتَّى يكون فيه أَهليَّة لِذَلِكَ، بأن يكونَ قَادِرًا على إلقاءِ العِلْمِ لأَهْلِهِ، وعلى فَهْمِ السُّؤالِ ومرادِ السَّائِل، وعلى رَدِّ الجَوابِ المُطَابِقِ لَهُ المُوافِقِ للحقِّ، وألا يكون من المُزَوِّرينَ على النَّاس والكذّابينَ على الله ورسوله.


(١) البخاري (٩/ ٣١٧)، ومسلم (٣/ ١٦٨١) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه البخاري (١/ ١٩٤)، ومسلم (٤/ ٢٠٥٨) من حديث عبد الله بن عمرو.

<<  <   >  >>