فلا يَغْتَرَّ بِمَحْمَدَةِ النَّاس لَهُ ووصفِهِ بالفَضْلِ والعِلْمِ والكمالِ، لأَن هذا شأْنُ سُخَفاءِ العُقُولِ الخَالينَ من المنقولِ والمَعْقول؛ لأَن ذلك لا يُكْسِبُهُ الفضلَ والعلمَ والكمالَ، وإِنَّما يُكْسِبُهُ إياه الجِدُّ والاجتهادُ، وتَلَقّيهِ من فُحُولِ الرِّجالِ، فهو أعرفُ بنفسِهِ وبحالِهِ من كُلِّ أَحَدٍ غيرِه، إِذْ ما من ضريرٍ إلَّا وهو أعرفُ بحالِهِ بنفسِهِ من ألفِ بصيرٍ.
واعلم أنه لا ينبغي لأَحَدٍ أن يمدحَ أحدًا ويَصِفُهُ بالعِلْمِ والكَمالِ ونحو ذَلِك من حميد الخِصَالِ، حَتَّى يكونَ مُتَّصفًا بما يصِفَهُ بِهِ في حقيقةِ الحَالِ، وإلَّا يكونُ شاهدَ زورٍ كذّابًا ضارًّا لنفسِهِ غاشًّا لِمَن يمدحُهُ.
وإن كان الممدوحُ نَاقِصَ العَقْلِ قَليلَ الدّين والفَهْمِ اغترَّ بِذَلِكَ وَصَدَّقَهُ، فيتركُ التَّعَلُّمَ واكتسابَ الكَمالِ اغْترارًا بالمَدْحَةِ التي لم تُصَادِفْ مَحَلًّا، ولم تُوافِقْ شَرْعًا ولا عُرْفًا ولا عَقْلًا، فيكونُ ذلك سبَبًا لِقَطْعِهِ عن الخَيْرِ والصَّلاحِ، ووسيلةً لغرورِهِ وحِرْمانِهِ ما بِهِ الفوزُ والفلاحُ، وذريعةً لتركِهِ الطَّلَبَ الذي له بِهِ في الدَّارين النَّجَاةُ والنَّجاحُ.
وقد قالَ كثيرٌ من العلماءِ العَاملين: احذر المدحَ كما تحذَر الذَّمَّ. ولا شَكَّ أَنَّه كلام موفَّقِينَ، إِذْ رُبَّ مَدْحَةٍ واحدةٍ قد تكون أَضَرَّ من ألفِ ذَمَّةٍ لما يترتبُ عليها من القطع عن التَّحْصيلِ، وعن الاشتغالِ