للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يموتُ قَوْمٌ فَيُحْيِي العِلْمُ ذكرَهم ... والجهلُ يُلْحِقُ أَمواتًا بِأَمواتِ

وهذا كُلُّهُ مشروطٌ بقصدِ الإِفادةِ والاستفادةِ، وَقَصْدِ إظهارِ الحَقِّ، ونشرِ العِلْمِ مع سلامةِ الصَّدرِ من الغِش، والبُغْضِ، والحِقْدِ، ولينِ الجانب، واللطفِ بمن يذاكِرُهُ، وتحمُّلِ أذاهُ، والتَّأنِّي عليه مع الصَّبْرِ التَّامِ على جفائه.

وأما إذا قُصِدَ بذلك الرَّفعةُ، والتعاظُمُ، وإظهارُ الرِّئاسةُ، أو تعريفُ النَّاسِ مقامَهُ بأنَّهُ أعلمُ وَأَعْرَفُ أو أفْهَمُ، أو كان بترافُعٍ وَتَعاظُمٍ على من يذاكرُهُ، أو عدم صبر عليه لينظُرَ مأخذَهُ ومخلصَهُ، فإنها لا تَحِلُّ قطعًا، بل صاحبها آثِمٌ، ومن كُل خَيْرٍ خائِبٌ، وإلى كُلِّ شَرٍّ وضُرٍّ آيبٌ.

وليَكُن الطَّالِبُ مُصاحِبًا للإتقانِ، صابرًا على تناولِ العلم على التَّدريج بلا ضَجَرٍ وتوانٍ؛ لأَن قليل العلم مع الإِتقان خَيْرٌ وأنفعُ من كثيرِهِ بلا إتقانٍ.

فلا ينبغي للطَّالب أن يقتصرَ على سماع الحَدِيث ونحوِهِ وكُتُبِهِ دون معرفَتِهِ وَفَهْمِه.

قال أبو عاصم النَّبيل: الرِّئَاسةُ في الحديث بلا درايةٍ رئَاسة نَذْلَةٌ (١).


(١) "الجامع لأخلاق الراوي" (٢/ ١٨١).

<<  <   >  >>