للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن البِرِّ لهما أن تَصِلَ من وَصَلَهُمَا، وَتَهْجُرَ من هَجَرَهُمَا، وتَغْضَبَ لَهُما كما تَغْضَبُ لِنَفْسِكَ في الموتِ والحياةِ، وإذا ثارَ طبعُكَ في الغَضَبِ عليهما فاذكر تَرْبيتَهُمَا وَسَهَرَهُمَا وتَعَبَهُما وإشفاقَهُما، واذكر قول الله سبحانه لك: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)} [الإسراء: ٢٣]، فإن لم يَرْدَعَك ذَلِكَ عن غَيْظِكَ عليهما، ولم تَرْحَمْهُما بعد ذلك لا لله ولا لَهُما فاعلم أنَّك مَحْرومٌ مَسْخُوطٌ عليك، مطرودٌ عن رحمة الله تعالى إن لم تَتَدَارَكْ زَلَّتَكَ بالتَّوَّبةِ النَّصُوح، وباسترضائِهِمَا والتَّذَلُلِ لَهُما، والتَّواضُعِ غايةَ ما يُمكِنُكَ مع مُخالَفَةِ نَفْسِكَ بما تَأْمُرَكَ به في حَقِّهِما؛ لأَنَّها لا تَأْمُرُ إلَّا بالسُّوء؛ فَعَساهُما أن يَرْحَماكَ ويَرْضيا عَلَيْكَ؛ وإلَّا فيَا خَسَارَتَكَ دُنيا وأُخرى بِغَضَبِهِمَا عَلَيْكَ، وسخَطِهِمَا مِنْكَ بِسَبَبِ عُقوقك لَهُما.

إذا علمتَ هذا فلا تسافِرْ سَفَرًا لَيْسَ بواجِبٍ عَلَيْكَ إلَّا بإِذْنِهِما، ولا تغزُ غَزْوًا غَيْرَ مُتعَيِّنٍ عَلَيْكَ إلَّا بإِذْنهما، فلا تَفْجَعْهُمَا بِنَفْسِكَ، فَقَدْ نُهِىَ غَيْرُكَ أن يَفْجَعَهُمَا بِكَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ الله مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوالدينِ وَوَلدِهِما، وَبَيْنَ الأَخِ وَأَخيهِ" (١).

وقال عليه السَّلامُ: "مَنْ فَرَّقَ بين والِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ الله بَيْنَهُ


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٢٥٠)، من حديث أبي موسى، وإسناده ضعيف فيه إبراهيم بن إسماعيل، ضعيف، وبه أعله المنذري في "الترغيب" (٢/ ٥٧٩).

<<  <   >  >>