وإني ولله الحمد من حين نَشَأْتُ على هذا الاعتقاد وقد زادني محبة وتمسكًا به وأكدَهُ عندي أني رأيت في المنام إِمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه فأخبرتُهُ باعتقادي فأقرني عليه وشافهني بأن التأويل بغير ورود أو إجماع غير جائز، بل أفهمني أن ما نقله عنه أصحابه من امتناع التأويل هو مذهبه لا غيره، حَتَّى إِني سألته عن الاستدلال بكلام الأَخطل وغيره مما استدل به أهل التأويل فغضب من ذلك غضبًا بليغًا وأَعْرَضَ عني وتغير لونه ثُمَّ قَال: لا يجوز ذلك ولا يصح، وأشار إليَّ بالإعراض عن جميع ذلك، وأفهمني أنَّه لا يجوز قياس كلام الله تعالى وصفاته ولا تخريجها على شيء من ذلك أصلًا مع أني كَرَّرْتُ عليه ذلك مرارًا وهو لا يجاوبني إلَّا بمثل ذلك (١)، وهذا وشبهه هو الذي كان عليه في حياته كما نقله عنه أصحابه وغيرهم.
وكانت هذه الرؤيا في أواخر ذي القعدة سنة تسع وأربعين وألف وهي رؤيا حق إن شاء الله تعالى؛ لأَني كنت في مَرَضٍ شديدٍ مؤلم جدًّا وهو ريح مع بلغم بكتفي الأَيسر قد منعني النَّوم والأَكل والشُّرْبَ والمطالعَةَ والكتابةَ وغيرهُنَّ مُدَّةً، حَتى كدت أيأس من زواله، لأَني بالغت في التَّداوي له مبالغة زائِدَةً على العادة بحيث إني ما تركت دواءً وصفه لي مسلم أو ذميٌّ لشدةِ الوجع وفراغ الصبر، ولم يحصل
(١) هذه الرؤيا إذا كان ما فيها موافقًا للحق والصواب فإنه يستأنس بها ولا يبنى عليها حكم وقد سبق من المصنف أن أشار إلى ذلك وأنه لا يعتمد على الرؤى المنامية وإنما العمدة على الأدلة الشرعية، انظر ما سبق ص ٤٣٤.