للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يكون بمعنى صيَّر، فيجري مجرى أفعال القلوب، فيتعدى إلى مفعولَين، فيكون المفعول الثاني {فِي ظُلُمَاتٍ}، [كأنه قيل: هم في ظلمات] (١)، ثم دخل {تَرَكَ} فنصب الجزأين، فـ {فِي} لا على هذا أيضًا يتعلق بمحذوفٍ.

و{لَا يُبْصِرُونَ}: في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في {وَتَرَكَهُمْ}، أي: تركهم غير مبصرين شيئًا. وقيل: مفعوله من قبيل المتروك المُطَّرَحِ الذي لا يُلْتفتُ إلى إخطاره (٢) بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأن الفعل غير متعدٍ أصلًا، نحو: {يَعْمَهُونَ} في قوله: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (٣).

وجُوّز أن يكون {لَا يُبْصِرُونَ} هو المفعول الثاني لـ {تَرَكَ} على الوجه الثاني، و {فِي ظُلُمَاتٍ} ظرف يتعلق بـ (تركهم)، أو بـ {يُبْصِرُونَ}، وأن يكون حالًا من الضمير في {لَا يُبْصِرُونَ}، أو من المفعول الأول متعلقًا بمحذوف (٤).

وظلمات: جمع ظلمة، والظلمة عدم النور، وقيل: اشتقاقها من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا؟ أي: ما منعك وشغلك؟ لأنها تسد البصر، وتمنع الرؤية، وفيها ثلاث لغات: ظُلُمات بضم اللام على الإتباع، وإنما حرك للفرق بين الاسم والصفة، فحرك الاسم لخفته، وسكِّن النعت لثقله، وظُلَمات بفتحها، وظُلْمات بتسكينها استثقالًا للضمة عليها، وقد قرئ بهن (٥).


(١) سقطت هذه العبارة من (أ).
(٢) كذا في (ب) والمطبوع والكشاف ١/ ٣٩، وفي (أ): إحضاره. والمعنى والرسم متقاربان.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ١٨٦، وانظر هذا الكلام في الكشاف ١/ ٣٩.
(٤) انظر هذه الأوجه في التبيان ١/ ٣٣.
(٥) أما الضم فهي قراءة الجمهور، وأما التسكين فخسبها ابن جني في المحتسب ١/ ٥٦ إلى الحسن وأبي السمال، وانظر إعراب النحاس ١/ ١٤٣، والكشاف ١/ ٣٩، والمحرر الوجيز ١/ ١٣٢، وبالفتح: قرأ بها بعضهم كما في المصادر السابقة، وقال النحاس: قال الكسائي: ظلَمات جمع الجمع، جمع ظُلَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>