للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل {كُنْتُمْ}: كَوُنْتُمْ، وهو منقول من (فَعَل) إلى (فَعُل)، لأن الفاء منه مضموم، وكان قبل اتصال التاء به مفتوحًا نحو كان، فَعَلِمنا أن الضمة ليست حركة الفاء، وأنها حادثة فيها، أو منقولة إليها من العين، فلا معنى لأن تكون حادثة، لأن الفعل يُضَمّ فاؤه إذا بُني للمفعول به، نحو: ضُرِبَ، و {كُنْتُمْ} مبني للفاعل كما ترى، وإذا بطل أن تكون حادثة على نفس الفاء وكائنة له، علمتَ أنها منقولة من العين، وفيه كلام لا يليق ذكره هنا. ثم نقلت حركة العين إلى الفاء، فسكنت العين، واللام بعدها ساكنة لاتصالها بالفاعل، فحذفت العين لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة في الفاء تدل عليها، فاعرفه وقس عليه ما كان من الأفعال مُعتلَّ العين من ذوات الواو.

{فِي رَيْبٍ}: في محل النصب بخبر كان متعلق بمحذوف، وكذلك كل ما وقع من الظروف خبرًا لكان وأخواتها، أو لأن وأخواتها، أو مفعولًا لظننت وأخواتها، نحو: كان زيد في الدار، وإن زيدًا في الدار، وظننت زيدًا في الدار، فإنه يتعلق أبدًا بمحذوف، فاعرفه فإنه أصل يُعتَمَد عليه.

{مِمَّا نَزَّلْنَا}: (ما) موصولة، و {نَزَّلْنَا} صلتها، وعائدها محذوف، أي: نزلناه، والموصول مع صلتها في موضع جر على أنه صفة لـ {رَيْبٍ} متعلق بمحذوف، ولك أن تعلقه بنفس الريب لكونه مصدرًا، أي: إن ارتبتم في المُنْزَلِ.

فإن قلتَ: هل يجوز أن تكون (ما) هنا نكرة موصوفة كما زعم بعضهم (١)؟ قلت: لا، لأن المذكورين أَخْزاهم الله ارتابوا في المُنْزَلِ كُلِّه، لا في بعضه، بشهادة قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (٢) حين قالوا: {افْتَرَاهُ}، فاعرفه فإن فيه أدنى إشكال.


(١) هو العكبري في التبيان ١/ ٤٠، وجوزه أبو حيان في النهر الماد ١/ ١٠١، وتبعه السمين ١/ ١٩٨.
(٢) سورة هود، الآية: ٣، وأول الآية: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا ... }.

<<  <  ج: ص:  >  >>