للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التغليب (١)، كقولك: أتاني زيدٌ وجُمَلٌ راكبين. أي: دائبين مستمرين على إصلاح ما يصلحانه من النبات والحيوان وغيرهما لا يفتران، والدؤوب: مرور الشيء في العمل على عادته، والدَّأْبُ: العادةُ، يقال: دَأَبَ يَدْأبُ دَأبًا ودُؤوبًا، وقد ذكر (٢).

{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)}:

قوله عز وجل: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} الجمهور على ترك التنوين في {كُلِّ} على الإضافة، والمفعول الثاني للإيتاء على مذهب صاحب الكتاب - رحمه الله - محذوفٌ أي: وآتَاكم من كل ما سألتموه شيئًا، أو وآتاكم ما ساغ إيتاؤه إياكم منه نظرًا في مصالحكم. كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (٣) أي: وأوتيت من كل شيء شيئًا.

وأما على رأي أبي الحسن - رحمه الله - تعالى فالمفعول الثاني هو {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} و (مِن) صلة، أي: وآتاكم كل ما سألتموه وما لم تسألوه، لأن الله عز وجل آتى العباد أشياء ما طلبوها منه ولا عرفوها، وإنما حذف للعلم به، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (٤) أي: وتقيكم البرد.

و(ما) في قوله: {مِنْ كُلِّ مَا} تحتمل أن تكون مصدرية، أي: وآتاكم من كل سُؤْلِكم، فيكون الذكر في قوله: {سَأَلْتُمُوهُ} يعود إلى الله عز اسمه، لأن (ما) إذا كانت مصدرية لم تحتج إلى عائد. وأن تكون موصوفة وما بعدها صفتها. وأن تكون موصولة وما بعدها صلتها، والضمير راجع إليها


(١) أي تذكيره، لأن القمر مذكر، والشمس مؤنثة، والتذكير هو الأصل. وقوله: (انتصابهما) هو هكذا في الأصل والمطبوع، وإنما يريد انتصاب (دائبين).
(٢) في سورة يوسف آية (٤٧).
(٣) سورة النمل، الآية: ٢٣.
(٤) سورة النحل، الآية: ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>