للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} حال بعد حال في قول من جوز حالين من ذي حال واحد، أو من المنوي في {مُهْطِعِينَ} في قول من لم يجوز ذلك، أي: مسرعين أو مديمين النظر في حال رفع رؤوسهم، والإضافة غير محضة إذ المراد بها الاستقبال، والإقناع: رفع الرأس، يقال: أقنع رأسه، إذا نصبه لا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، وجعل طرفه موازيًا لما بين يديه (١). وقال ابن زيد: ناكسي رؤوسهم بلغة قريش (٢). والأول هو الوجه وعليه الجل.

وقوله: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ} في موضع الحال من المنوي في {مُقْنِعِي}، أي: غير مرتد إليهم طرفهم، والطرف في الأصل مصدر، قيل: والمعنى: لا يرجع إليهم أن يطرفوا بعيونهم، أي: لا يطرفون، ولكن عيونهم مفتوحة من غير تحريك منهم للأجفان، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم (٣).

وقوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} الواو للحال، فإن قلت من شرط الخبر أن يكون وفق المخبر عنه، والمخبر عنه هنا جمع والخبر مفرد. قلت: قيل: لَمّا كان معنى {هَوَاءٌ} هنا خالية متخرقة، جاز أن يُفْرَدَ، لأن تاء التأنيث فيها تدل على تأنيث الجمع في الأفئدة، كقولك: أحوال صعبة، وعقول فاسدة (٤)، وكفاك دليلًا: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} (٥).

وقيل: هواءٌ أي: زائلة عن مقارّها. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - خرجت


(١) انظر جامع البيان ١٣/ ٢٣٩. ومعاني النحاس ٣/ ٥٣٨. والنكت والعيون ٣/ ١٤١. وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
(٢) هذا التفسير هنا ورد عن المؤرج السدوسي، وقتادة أيضًا. انظر النكت والعيون ٣/ ١٤٠. وزاد المسير ٤/ ٣٧١. وهذا الذي ورد عن ابن زيد في المهطع أنه الذي لا يرفع رأسه، خلاف الجمهور. انظر جامع البيان ١٣/ ٢٣٧ والمصدرين السابقين في التخريج السابق.
(٣) قاله الزمخشري ٢/ ٣٠٦.
(٤) انظر في هذا: التبيان ٢/ ٧٧٣ أيضًا.
(٥) سورة الصف، الآية: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>