للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (فتيلًا) مفعول ثان، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: مقدار فتيل، والفتيل: القشرة التي في شق النواة، ويقال: هو مما يفتل بين الإصبعين من الوسخ ويطرح، يضرب به المثل في الشيء الحقير (١).

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)}:

قوله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} (أعمى) الأول: بمعنى فاعل، من عَمِيَ يعمى فهو أَعْمَى، وقوم عُمْيٌ كأحول وأعور. وأما الثاني: فهو للتفضيل بدلالة ما عطف عليه، وهو قوله: {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}، وكما أن هذا لا يكون إلا على أفعل الذي يقتضي (مِن) كذلك المعطوف عليه، ومن ثم قرأ ابن العلاء: الأول ممالًا، والثاني مَفَخّمًا (٢)، لأن أفعل التفضيل تمامه بمِن، فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلام كأعماهم، وأما الأول فلم يتعلق به شيء، فكانت ألفه واقعة في الطرف معرضة للإمالة، أي: ومن كان في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى، أي: أعمى منه في الدنيا, لأنه إذا عَمِيَ في الدنيا، وقد عَرَّفه الله الهدى، وجعل له التوبة وُصْلَةً، وفسح له في ذلك إلى وقت مماته، فعمي عن رشده ولم يتب، ففي الآخرة لا يجد متابًا ولا مُتَخَلَّصًا مما هو فيه، فهو في الآخرة أشد عمىً, لأنه فاته وقت العمل، فاعرفه فإنه من كلام أبي إسحاق (٣).

و{فِي}: في الموضعين متعلقة بـ {أَعْمَى}. و {سَبِيلًا}: نصب على التمييز.


(١) تقدم معنى الفتيل وتخريجه في سورة النساء (٤٩).
(٢) كذا عبر عنه ابن خالويه في حجته / ٢١٩/ بالإمالة والتفخيم أيضًا. وعبروا عنه في بقية المصادر بكسر الميم في الأول وفتحها في الثاني. وانظر قراءة أبي عمرو بن العلاء - وهي قراءة رويس عن يعقوب، ونصير عن الكسائي - في السبعة / ٣٨٣/. والحجة ٥/ ١١٢. والمبسوط / ٢٧٠/.
(٣) معانيه ٣/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>