للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رحمه الله وموافقيه (١).

ولا يجوز أن يكون منصوبًا بـ {آتُونِي} كما زعم أهل الكوفة (٢)، لأنه إذا كان منصوبًا بآتوني كان مقدمًا في النية، نحو: آتوني [زبر الحديد آتوني أفرغ عليه] (٣) قطرًا، وكان يجب إضماره في الفعل الثاني نحو أن تقول: أفرغه عليه, كما تقول: ضربني وضربته عبد الله، لأن التقدير: ضربني عبد الله وضربته، إذ من المحال أن تُعمل الأول ولا تنوي به التقديم، وتضمره في الفعل الثاني كما ذكرت آنفًا ممثلًا.

فإن قلت: إذا نصبت {قِطْرًا} بـ {أُفْرِغْ} كنت مضمرًا (قِطْرًا) آخر لـ {آتُونِي} لاقتضائه ذلك لا محيد عنه، وإذا نصبت قطرًا بـ {آتُونِي} كنت مضمرًا ضميرًا راجعًا إلى {قِطْرًا} وهو منصوب بـ {أُفْرِغْ} لا بد لك من أحدهما لاقتضاء كل واحد من الفعلين مفعولًا، فلِمَ اختير إضمار المفعول للفعل الأول دون الثاني، وهلا عكس؟ قلت: لأنك إذا نصبت {قِطْرًا} الظاهر بـ {آتُونِي} دون {أَفْرِغْ}، كنت فاصلًا بين العامل ومعموله بقوله: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ}، وإذا نصبته بـ {أَفْرِغْ} لم تكن فاصلًا بينهما بشيء، وحَذْفُ ما لم يؤد إلى فصل في الكلام أولى من حذف ما يؤدي إلى فصل خصوصًا في الكتاب العزيز فاعرفه.

والقطر: النحاس المذاب، سمي بذلك لقطرانه. وقيل: الحديد المذاب، عن أبي عبيدة (٤). وقيل: الرصاص، عن ابن الأنباري (٥).


(١) من البصريين، وانظر مذهب سيبويه في الحجة ٥/ ١٧٨. ومذهب البصريين في البيان ٢/ ١١٦. وروح المعاني ١٦/ ٤١.
(٢) كذا حكى ابن الأنباري في البيان ٢/ ١١٧ عنهم أيضًا. وانظر معاني الفراء ٢/ ١٦٠. والغريب من العكبري ٢/ ٨٦٢ أنه جعل الوجه الأول هو مذهب الكوفيين.
(٣) سقطت العبارة من (ب) و (ط).
(٤) مجاز القرآن ١/ ٤١٥.
(٥) ذكره عنه الماوردي ٣/ ٣٤٣. وابن الجوزي ٥/ ١٩٣. وابن الأنباري هو أبو بكر محمد بن القاسم إمام حافظ نحوي لغوي، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظًا، وكان دَيِّنًا صدوقًا فاضلًا، صنف كتبًا كثيرة في علوم القرآن، وغريب الحديث والمشكل، وله عدة =

<<  <  ج: ص:  >  >>