للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)}:

قوله عز وجل: {وَلَا تَلْبِسُوا} أي: ولا تخلطوا، واللَّبْسُ: خلط الأمور بعضها ببعض، يقال: لَبَسْتُ الأمر ألبِسُه بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر لَبْسًا، إذا خلطتَه ومزجتَ بَيِّنَهُ بمُشْكِلِه، وحَقَّه بباطِلِه، ولبِستُ الثوب ألبَسه بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر لُبْسًا، فاعرفه.

{وَتَكْتُمُوا}: يَحْتَمِل أن يكون مجزومًا داخلًا تحت حكم النهي وعليه المعنى، كأنه قيل: ولا تلبسوا ولا تكتموا. وأن يكون منصوبًا بإضمار أن، والواو للجمع كالتي في قولك: لا تأكل السمكَ وتَشْرَبَ اللَّبَنَ، وقوله - أعني الشاعر -:

٦٨ - لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عليكَ إذا فعلْتَ عَظِيمُ (١)

كأنه قيل: ولا تجمعوا بين لَبْسٍ وكِتْمانٍ مع عِلْم، لأن النهي حصل عن اللَّبْسِ المقترِن بالعلم، كما كان النهي عن الأكل المَجتمِع مع الشرب، لأن اللبس الذي لا يُعلم لا يَتناوله النهيُ من حيث إنه لا يُقْدَرَ على التعَرِّي منه، كما لم يتناول النهيُ الأكلَ من حيث إنه لا يضر إذا لم يقترن بالشرب، فالمعنى منوط بقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، ولولاه لما صح أن يكون {وَتَكْتُمُوا} منصوبًا بإضمار أن، وكان مجزومًا داخلًا تحت حكم النهي، فاعرفه فإنه موضع مُلْبِسٌ.

{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: مبتدأ وخبر في موضع نصب على الحال، أي: لا


(١) نسب هذا البيت إلى أبي الأسود، وإلى الأخطل، وغيرهما، وهو من شواهد سيبويه ٣/ ٤٢، ومعاني الفراء ١/ ٣٤، والمقتضب ٢/ ٢٦، وجامع البيان ١/ ٢٥٥، والأصول ٢/ ١٥٤، وإعراب النحاس ١/ ١٦٩، وجمل الزجاجي / ١٨٧/، والمؤتلف والمختلف/ ١٧٩/، ومعجم المرزباني / ٤١٠/، ونسباه للمتوكل الليثي. وانظره أيضًا في شرح المرزوقي للحماسة ٢/ ٥٣٥، وشرح ابن يعيش للمفصل ٧/ ٢٤، والخزانة ٨/ ٥٦٤ وفيها نسبته الصحيحة على رأي البغدادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>