للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)}:

قوله عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} اللام لتأكيد النفي، والفعل بعدها منتصب بإضمار أن، ولا يجوز إظهارها معها هنا بإجماع من أهل هذه الصناعة، بخلاف: جئت لتعطيني، ولأن تعطيني، لأنهم أجازوا إظهارها معها هنا، وقالوا: إنما لم يجز إظهارها بعد اللام في النفي لأمرين:

أحدهما: أن النفي ينبغي أن يكون على حد الإثبات، وتقدير هذا عندهم في الأصل: كان زيد سيقوم، فجعلوا نفيه: ما كان زيد ليقوم، وجعلوا اللام بإزاء السين، والفعل بعد اللام بإزاء الفعل بعد السين، ليقابل الحرف الحرف، والفعل الفعل، فيصير النفي على حد الإثبات.

والثاني: أنهم لو أظهروا (أن) لكانوا قد قابلوا الاسم بالفعل؛ لأن (أن) مع الفعل الذي بعدها في تأويل اسم، وعلى هذا التقدير يكونون قد قابلوا اسمًا بفعل، فلا يكون النفي على حد الإثبات.

وهي متعلقة - أعني اللام من {لِيَذَرَ} - بمحذوف دل عليه الكلام، وهذا المحذوف هو خبر كان، أي: ما كان الله يريد ليترك .. ولا يجوز أن تجعل {لِيَذَرَ} نفسَهُ الخبرَ كما زعم بعضهم؛ لأن الفعل الواقع بعد اللام مقدر مع ناصبه بالمصدر الذي هو الترك، وهذا فاسد من جهة المعنى؛ لأن الخبر في هذا الضرب هو الاسم في المعنى، وليس الترك هو الله جل ذكره إلا أن يقدر مضافًا محذوفًا، أي: ذا ترك، فحينئذ يصح وإلَّا فلا، ومثله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} في جميع ما ذكرت (١).


(١) انظر في هذه المسألة والاختلاف بين البصريين والكوفيين: الإنصاف ٢/ ٥٩٣ - ٥٩٧، والتبيان ١/ ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>