للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - ومما توسع فيه مجاهد بالرأي ما ورد عنه في تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} (١) حيث أنكر أن تكون المائدة أنزلت عليهم، وقال: «مثل ضُرب؛ لم ينزل عليهم شيء» (٢).

وقوله خلاف ما عليه جمهور المفسرين من أنها أنزلت حقيقة (٣).

يقول الذهبي عن مجاهد: «ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تستنكر» (٤).

ويرى مجاهد أن هذه الآراء ونحوها داخلة ضمن القدر المسموح به من الرأي، وهو عندما جعل الرأي أفضل العبادة - كما تقدم - قيده بالرأي الحسن، ومفهومه لديه أن من الرأي ما هو سيء مذموم، وهو الرأي الصادر عن الهوى والابتداع، وكان - رحمه الله - شديد النفور منه، ويقول فيه: «ما أدري أي النعمتين أعظم علي؟ ! أن هداني إلى الإسلام، أو جنبني الأهواء» (٥).

وعن حميد الأعرج (٦) قال: «صليت إلى جنب رجل يتهم بالقدرية، فلقيت


(١) سورة المائدة من الآية (١١٤).
(٢) جامع البيان (٩/ ١٣٠).
(٣) انظر: زاد المسير (٢/ ٤٥٩)، والجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٣٦٦)، وفتح القدير (٢/ ٩٣).
(٤) سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٥٥).
(٥) أصول السنة لابن أبي زمنين (ص ٣٠٤)، وحلية الأولياء (٣/ ٢٩٣)، وتاريخ دمشق (٥٧/ ٣٩).
(٦) هو أبو صفوان حميد بن قيس المكي القارئ، عرض على مجاهد القرآن ثلاث مرات، روى عن الزهري وابن المنكدر، وعنه السفيانان ومالك، ووثقه غير واحد وحديثه في الكتب الستة، توفي عام (١٣٠).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٣٥٧)، وغاية النهاية (١/ ٢٦٥)، وتهذيب التهذيب (١/ ٤٩٧).

<<  <   >  >>