للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن سعيد بن جبير: أنه قرأها كذلك: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) وقال: تستطيع أن تسال ربك؟ ، وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟ (١).

ووجه الإشكال في قراءة {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} ما بينته عائشة وسعيد من أن الحواريين مؤمنون بالله، كما أخبروا بذلك في الآية التي قبلها: {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (٢)، وسؤالهم عن قدرة الله تعالى على إنزال المائدة ينافي ما حكوه عن أنفسهم، ولما استعظم عيسى - عليه السلام - هذا السؤال منهم، وقال لهم: {اتَّقُوا اللَّهَ}، بينوا له أنهم يريدون الاطمئنان إلى صدقه، فقالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} (٣).

وأجيب بأن سؤالهم كان في مبدأ أمرهم قبل استحكام الإيمان في قلوبهم، وقد كره منهم عيسى - عليه السلام - ذلك، وأمرهم بالتوبة ومراجعة إيمانهم، فقال: {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أو أن سؤالهم لم يكن عن شك في قدرة الله، وإنما طلبوا الطمأنينة كما طلبها إبراهيم - عليه السلام - في قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (٤).


(١) جامع البيان (٩/ ١١٧ - ١١٨).
(٢) سورة المائدة من الآية (١١١).
(٣) سورة المائدة من الآية (١١٣)، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز (٥/ ٢٣٤): «نزهتهم عائشة عن بشاعة اللفظ، وإلا فليس يلزمهم منه جهل بالله تعالى».
(٤) سورة البقرة من الآية (٢٦٠)، وانظر: جامع البيان (٩/ ١١٩)، والبحر المحيط (٤/ ٥٣)، وفتح القدير (٢/ ٩٢).

<<  <   >  >>