قلت: الحجاج هو ابن فُرافِصة، صدوق عابد يهم، والراوي عنه محمد بن صبيح بن السّماك الواعظ، قال ابن نمير: صدوق، وقال مرة: ليس حديثه بشيء، كذا في «الميزان» (٣/٥٨٤) . ومكحول لم يسمع أبا هريرة، فهو منقطع. وعزاه العراقي في «تخريج الإحياء» (٥/٤١٤- مع «إتحاف السادة» ) إلى أبي الشيخ في «الثواب» -أيضاً- وضعفه، ولم يعزه في «كنز العمال» (٤/١٣ رقم ٩٢٥٥) إلا لأبي نعيم في «الحلية» ! وأخرج الديلمي والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/٦٨) من حديث أبي هريرة رفعه: «من طلب مكسبة من باب الحلال، يكفّ بها وجهه عن مسألة الناس وولده وعياله، جاء يوم القيامة مع النبيين والصديقين» هكذا -وأشار بأصبعه السبابة والوسطى-. وإسناده ضعيف جدّاً، فيه أبو مقاتل حفص بن سلم الفزاري واهٍ بمرة، وكذّبه وكيع بن الجراح. وضعّفه العراقي في «تخريج الإحياء» (٢/٨٩) ، وعزاه السيوطي في «الجامع الكبير» (١/٧٩٩) إلى الخطيب والديلمي فقط، وكذا في «إتحاف السادة المتقين» (٥/٤١٤) . وانظر: «زوائد تاريخ بغداد» (٦/٢٦٩- ٢٧٠) . وأما الحديث الأول، فقد ظفرتُ به عند الخطابي: أورده في «شأن الدعاء» (ص ١٩٤) -دون إسناد- هكذا: «اللهم إني أعوذ بك من فقرٍ مُربٍّ أو مُلبٍّ» . وقال: «المُلِبُّ: المُقْعِدُ المُلْزِق بالأرض. يقال: أَرَبَّ بالمكان، وأَلَبَّ به، إذا أقام، وهذا كقول الناس: قد لَزِق فلان بالتراب، إذا افتقر. قلت: وليس هذا بخلاف» . ونحوه في «النهاية» (٢/١٨١) لابن الأثير (مادة: ربب) ، وأورد الحديث هكذا: «اللهم إني أعوذ بك من غنى مبطر، وفقر مُرِبٍّ» . أو قال: «مُلبٍّ» . وهناك أدلة مبسوطة عند من فضّل (الغنى) عدا ما ذكره أبو الحسين، ونجمل ذلك بقولنا: وقد احتج من فضل الغنى بعدد من الآيات الكريمة منها قوله -تعالى-: {وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء: ٣٢] ، وقوله -سبحانه-: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: ٨] ، وقوله -جل من قائل-: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: ٢٦٨] ، وقوله -سبحانه وتعالى-: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: ٩٢] ، فهذه الآيات تبين أن الغنى فضل من الله ونعمة، ووسيلة للإنفاق في سبيل الله، وأن الفقر من الشيطان. وليس هذا فقط، فقد سمى الله المال خيراً في =