للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قوله -تعالى-: {إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ ... } [البقرة: ١٨٠] ، والخير يسعى إليه، ويحرص عليه ... بل إن الآيات الكريمة تقرر أن إيتاء المال والإمداد به من نعم الله على عباده المؤمنين، يؤتيه لهم عندما يقبلون عليه بالعبادة والتوبة والاستغفار ... قال -تعالى-: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: ١٠-١٢] .
واحتجوا -أيضاً- بعدد من الأحاديث النبوية منها نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، واستعاذته من الفقر، وقوله صلوات الله عليه وسلامه: «نعما المال الصالح للرجل الصالح» ، وسبق تخريجه.
ثم قالوا: إن كل ما يتصور في الفقر من الصبر والرضا يتصور في الغنى بالإيثار، والصبر على بذل المال وإنفاقه والتضحية به. وليس كل ما يتصور في الغنى من القربات يتصور في الفقر.
قال أبو عبيدة: كلٌّ من الطرفين قال حقاً، اللهم إن استثنينا الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يكثر ذكرها في هذه المسألة، وكان ينقص كلٌّ منها العدلَ! والصواب التفصيل.
قال ابن جزي في «القوانين الفقهية» (ص ٤٧٢) : «ولا يصح التفضيل إلا بعد تفصيل، وهو أن من كان يقوم بحقوق الله في الغنى، ولا يقوم بها في الفقر، فالغنى أفضل له اتفاقاً، ومن كان بالعكس فالفقر أفضل له اتفاقاً ... وإنما محل الخلاف فيمن كان يقوم بحقوق الله في الحالتين. والحقوق في الغنى هي أداء الواجبات، والتطوع بالمندوبات، والشكر لله، وعدم الطغيان بالمال. والحقوق في الفقر هي الصبر عليه، وعدم التشوف للزيادة، واليأس مما في أيدي الناس، ولله در غنيّ شاكر، أو فقير صابر، وقليل ما هم» .
وهذا التفصيل هو الصواب. قال ابن القيم في «بدائع الفوائد» (٣/١٦٢) : «وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل» قال: «فأجاب فيها بالتفصيل الشافي ... » وذكر مسألتنا، وقال: «فأجاب بما يشفي الصدور، فقال: أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى، استويا في الدرجة» .
قال أبو عبيدة: وفصّل ابن القيم هذا الإجمال في مجموعة من كتبه، مثل: «المدارج» (٢/ ٤٤٢) ، و «طريق الهجرتين» (ص ٦٢٦) ، و «عدة الصابرين» (ص ١٢٥، ١٤٢، ١٤٦، ٢٣٠) من (الباب العشرين) حتى (الباب الرابع والعشرين) ، وهو الأخير من الكتاب، ولا يتسع المقام للبسط أكثر من هذا، ولكني سأقتصر على زبد من كلامه فيها ذكره لأمثلة تؤكد ما رجحناه من أن (التفضيل في التفصيل) ، قال -رحمه الله تعالى-:
«مَثلُ الدنيا مثلُ البحر، الذي لا بد للخلق كلهم من ركوبه، ليقطعوه إلى الساحل الذي فيه =

<<  <   >  >>