للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا ما فتح الله -عزّ وجلّ- به في الجمع بين هذين الحديثين.

وقد استروح الدّاودي المالكي (١)

-رحمه الله- فقال في حديث الدعاء لأنس


= الْقُرْانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤] ، فوضع قوم الكتب على تفضيل الغنى على الفقر.
وألّف آخرون على تفضيل الفقر على الغنى، وأغفلوا الحض على الوجه الذي يجب الحض عليه والندب إليه، وأطنبوا في ذلك، وعنف بعضهم بعضاً، وطعن بعضهم على بعض.
وأرجو لمن صحت نيته، وخلصت لله طويته، وكانت لوجهه مقالته، وكان معه من العلم ما يسوغ له المقال والاستنباط أن يتغمده الله بعفوه، ويجازيه على نيته، ويصفح عن غفلته. إذ الناس ليسوا بمعصومين، ولا بد لهم من السهو والغفلة في بعض الأحايين، والله -جل وعلا- يؤيد بالتوفيق من يشاء فيما يشاء، ولن تجتمع بفضله هذه الأمة على ضلالة» .
وأخذ في سياق الآيات والأحاديث والآثار، في كلام بديع له، يأتي طرف منه في الهامش الآتي، والله الهادي.
وانظر: «فتح الرحيم الرحمن شرح لامية ابن الوردي، المسماة «نصيحة الإخوان ومرشد الخُلاّن» » (ص ١٠٠-١٠٣) .
(١) قال في كتابه «الأموال» (١٧٦- ط. مركز إحياء التراث المغربي أو ص ٣٤٩ -٣٥٠-ط. دار السلام) :
«ولم يأت في شيء من الحديث فيما علمناه أن النبي -عليه السلام- كان يدعو على نفسه بالفقر، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير، بل كان يدعو بالكفاف، ويستعيذ من فتنة الفقر، ومن فتنة الغنى. ولم يكن يدعو لأحد بالغنى إلا بشريطة يذكرها في دعائه» .
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
«وما روي أنه قال: «اللهم من آمن بي وصدق بما جئت به، فأقلل له من المال والولد» ، فهذا لايصح (!!) في النقل، ولا في الاعتبار، ولو كان إنما دعا بذلك في المال وحده لكان محتملاً أن يدعو لهم بالكفاف، وأما دعاؤه بالولد، فكيف يدعو أن يقل المسلمون؛ لأن في ذهاب النسل قلتهم وذهابهم، وما يدفعه العيان فمدفوع عنه - صلى الله عليه وسلم -. وأيضاً فأحاديثه لاتتناقض، فيكف يذم فقر معاوية، ويأمر كعب بن مالك وسعداً، أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول «إنه خير» ثم يخالف ذلك» .
وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك فقال: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته» . قال أنس: فلقد أحصت ابنتي أني قدّمتُ من ولدي مقدم الحجاج البصرة مئة وبضعاً وعشرين نسمة لدعوة رسول الله وعاش بعد ذلك سنتين وولد له، وبقي نعم ذريته بعده، فلم يدع له بكثرة المال إلا وقد قرن =

<<  <   >  >>