قلتُ: ويظهر لي: أن الراويتين صحيحتا المعنى، وبيانه: أن مُرادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمته المذكورة في الحديث إنما هم أصحابه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد دعا لجميع أمته ألاّ يهلكهم بسَنة عامة، ولا بتسليط أعدائهم عليهم، فأجيب إلى ذلك، فلا تذهب بيضتهم، ولا معظمهم بموتٍ عامٍ، ولا بعدوٍّ على مقتضى هذا الدعاء. والدعاء المذكور في حديث أبي قلابة يقتضي أن يفنى جميعهم بالقتل والموت العام. فتعيّن أن يصرفَ الأول إلى أصحابه؛ لأنهم هم الذين اختار الله لمعظمهم الشهادةَ بالقتل في سبيل الله، وبالطاعون الذي وقع في زمانهم، فهلك به بقيتُهم. فعلى هذا: قد جمع الله لهم كلا الأمرين. فتبقى الواو على أصلها من الجمع، أو تحمل (أو) على التنويعية والتقسيمية. والله -تعالى- أعلم» . قال أبو عبيدة: لي تعليقات: الأولى: العالم الذي أبهمه أبو العباس القرطبي في «شرحه تلخيصه صحيح مسلم» -وليس كتابه شرحاً لأصل «الصحيح» كما توهمه عبارة المصنف- هو القاضي عياض، وعبارته في «إكمال المعلم» (٧/١٣٣) هذا نصها: «الصحيح من الرواية أنه -عليه السلام- أخبره جبريل أن فناء أمته «بطعن أو طاعون» ، فقال: «اللهم فناء بطاعون» ، قال: «وهذا الذي يوافق حديثه الآخر: «أن لا يجعل بأسهم بينهم، وأن لايسلط عليهم عدواً من غيرهم» » . الثانية: قول المصنف الآتي: «وقد يعترض عليه، بأنه قد مات جمع كثير من الصحابة بغير ... » إلى آخره هو بالحرف في «بذل الماعون» (ص ١٢٨) لابن حجر. الثالثة: مقولة أبي قلابة «يعني بدعوة نبيكم ... » فيها: «أو» بين «بالطعن» و «الطاعون» بالتنويع والتقسيم لا بالجمع! أخرج ذلك أحمد (٥/٢٤٨) ، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (رقم ٩) ، ولفظه: «قال أبو قلابة: فلم أدر ما دعوة نبيكم؟ حتى بلغني الحديث: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني سألت ربي أن لا يجمع أمتي على ضلالة، ولا يلبسهم شيعاً، ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فأبى عليّ، فقلت: فحُمّىً إذاً أو طاعون» . قال أبو قلابة: فعرفتُ تأويل دعوة نبيكم» .