للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن أبا سفيان انحرف إلى ساحل البحر فنجت القافلة، وكتب إلى قريش أن ارجعوا فإنما خرجتم لتحرِّزوا تجارتكم، فأتاهم خبرُه فهمّوا بالرجوع، فانبعث أشقاهم أبو جهل فقال: والله لا نرجع حتى نقدَمَ بدرًا فنقيمَ فيها، نطعمُ من حضرنا، ونسقي الخمر، وتعزفُ علينا القِيَان، يعني المغنيات، وتسمعُ بنا العرب، فلا تزال تهابنا أبدًا وتخافنا.

ولما بلغ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خبرُ خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم أبو بكر ثم عمر ثم المقداد -رضي الله عنهم- فأحسنوا، ثم استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس مرة أخرى، فعلم الأنصار أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما يعنيهم، فقال سعد بن معاذ: كأنك تُعرض بنا يا رسول الله، وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فامض بنا حيث شئت، وصِل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحبَ إلينا مما تركت، فوالله لئن سرت بنا حتى تبلغ البَرْك من غمدان - أقصى الجزيرة- لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ثم تكلم المقداد بمثل ذلك، فأشرق وجه الرسول بما سمع منهم وقال: «سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم» (١)

سار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه حتى نزل بأدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فقال الحباب بن المنذر -رضي الله عنه- يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا


(١) انظر زاد المعاد (٣/ ١٥٥)، من خطبة مختصرة للشيخ سامي الحمود.

<<  <   >  >>