أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو:{وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}(١)، فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن.
وبقي المحاصرون ينتظرون وجاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا، قال: خبتم وخسرتم، قد والله مرَّ بكم، وذرَّ على رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
ولكنهم تطلعوا من صير الباب فرأوا علياً، فقالوا: والله إن هذا لمحمد نائماً، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، وقام عليّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لا علم لي به.
غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته في ليلة ٢٧ من شهر صفر سنة أربعة عشر من النبوة، وأتى إلى دار رفيقه - وآمن الناس عليه في صحبته وماله - أبي بكر -رضي الله عنه-. ثم غادرا من باب خلفي، ليخرجا من مكة على عجل، وقبل أن يطلع الفجر.
وسلك طريقاً يُضاد الطريق المعروف تماما، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور، وهذا جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذا أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره