فحفيت قدماه، وأيا ما كان، فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل، عرف في التاريخ بغار ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقباً فشق إزاره وسدها به، وبقي منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ادخل. فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسقطت دموعه على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما لك يا أبا بكر؟ قال: لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهب ما يجده وكمنا في الغار ثلاث ليال، ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد، وكان عبد الله ابن أبي بكر يبيت عندهما، قالت عائشة: وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، وكان يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، وكان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفى عليه.
أما قريش فقد جنَّ جنونها حينما تأكد لديها إفلات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صباح ليلة تنفيذ المؤامرة، فأول ما فعلوا بهذا الصدد أنهم ضربوا علياً، وسحبوه إلى الكعبة، وحبسوه ساعة، علهم يظفرون بخبرهما.