فكانت له نعم الزَّوجة الصالحة، تخدمه وتسوس فرسه وترعاه وتطحن النَّوى لعلفه، حتَّى فتح الله عليه فغدا من أغنى أغنياء الصحابة -رضي الله عنهم- .
ولما أتيح لها أن تهاجر إلى المدينة فرارًا بدينها إلى الله ورسوله، كانت قد أتمَّت حملها بابنها عبد الله بن الزُّبير فلم يمنعها ذلك من تحمل مشاقِّ الرِّحلة الطَّويلة، فما إن بلغت «قُباء» حتَّى وضعت وليدها، فكبَّر المسلمون وهلَّلوا، لأنه كان أوَّل مولود يولد للمهاجرين في المدينة.
فحملته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضعته في حجره، فأخذ شيئًا من ريقه وجعله في فم الصَّبيِّ، ثمَّ حنَّكه ودعا له، فكان أوَّل ما دخل في جوفه ريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهكذا حال المرأة الصالحة تهتم بزوجها ونشأة أبنائها، لأنه جنتها ونارها، ولأنهم عمادها وبقاء أثرها بعد موتها، لا كما يروجه الجهلة أو المغرضين لنساء المسلمين من الدعوات المفسدة للعلاقات الزوجية كمن يقول: اهتمي بنفسك ولن ينفعك زوج ولا ولد، المرأة - أَيُّهَا الأخوة - حين تطيع زوجها وتهتم بنشأة أبنائها فهذا من طاعة الله عز وجبل وهو سر نجاح الحياة.
ومن برِّها وإحسانها لوالديها أنها قالت -رضي الله عنها- ذات مرَّة: لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَّةَ حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ جَمِيْعَ مَالِهِ خَمْسَةَ آلافٍ أَوْ سِتَّةَ آلافٍ فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ عَمِيَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. قالت فَقُلْتُ: كَلاَّ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيْراً.