للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ الزُّبَيْرَ فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوْبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدُ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي.

ومع درس الحياء والعفة درس تربوي آخر للآباء في مراعاة بناتهم حتى بعد الزواج، مثل ما فعل أبوبكر -رضي الله عنه- مع ابنته.

ولقد كانت -رضي الله عنها- مفتية عالمة ومعبّرة للرؤى، روي عَنْ مُسْلِمٍ القُرِّيِّ قَالَ: "دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ نَسْأَلُهَا، عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ. فَقَالَتْ: قَدْ رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيْهَا" (١)، وقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلْرُّؤْيَا أَخَذَ ذَلِكَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخَذَتْ، عَنْ أَبِيْهَا.

وأمّا جودها وسخاؤها فحدث ولا حرج، قال ابْنَ الزُّبَيْرِ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَجُوْدُهُمَا مُخْتَلِفٌ: أَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا وَضَعَتْهُ مَوَاضِعَهَ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَكَانَتْ لا تَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ، وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ سَخِيَّةَ النَّفْسِ.

وكَانَتْ -رضي الله عنها- تَمْرَضُ المَرْضَةَ فَتَعْتِقُ كُلَّ مَمْلُوْكٍ لَهَا. فهي موقنةٌ أن الصدقة والسخاء بطيب نفس يدفع البلاء.

ومن شجاعتها جهادها في سبيل الله: فقد شهدت معركة اليرموك مع ابنها وزوجها -رضي الله عنهم- التي كانت وقعت عام ١٥ هـ، بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربع سنوات، بين


(١) صحيح مسلم (١٢٣٨).

<<  <   >  >>