للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إمَّا جهل مظلمٌ بالشريعة ونصوصها ودلالاتها، فهو لا يَعرف الأدلَّة أصلًا! ! وإما جهل في دلالتها ومقاصدها، فهو يَعرف الدليلَ، ولكن ينحو به التأويل مَنحًى بعيدًا لِيُوافقَ ضلالتَه فينحرف به ... وهذا الصنف يَغلُب عليهم - مع جهلهم - اتِّباعُ الهوى؛ {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (١)، وهذا الصنف لا يُقيم لِكلام أهلِ العِلم سلفًا وخلفًا وزنًا، ويَطير فرحًا إنْ وَجَد مُؤلفًا وافَقَ هوًى في نفسه! ! كما تُشاهدونهم في وسائل التواصل والقنوات الموجَّهة! !

وإمَّا - وهذه الحالة الثالثة - وهي مِن الخطورة بمكان، أن يكون عالِمًا بالشريعة ودلالاتها، ولكنه جاهلٌ جهلًا مركَّبًا في كيفيَّة تطبيقها على الوقائع، مُغْفِلٌ للشروط والأركان؛ فيتخبَّط في ذلك، ويصبح تائهًا، ظانًّا أنه وَجَد الطريق! ! وكلُّ ذلك عن جهل وحمق غالبًا، لا عن قصد، بل ربما طالبًا المثوبة والأجر والجَنَّة ... وفي هؤلاء: أخشَى أن تَشْملهم الآية الكريمة {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَاءِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (٢).

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والضحاك، وغيرُ واحد: هم الحرورية - يعني: الخوارج - ومعنى هذا كما جاء عن علي -رضي الله عنه-؛ أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية، كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلَت في هؤلاء على الخصوص، والعجيب في تأمُّل هذا الصنف أنَّه يفتن فتنةً عظيمةً بالكلام في الأشخاص شذبًا


(١) [الجاثية: ٢٣].
(٢) [الكهف: ١٠٣ - ١٠٥].

<<  <   >  >>