للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقط أن قيام الدولة الإسلامية في ازدهار عصرها - العصر الذهبي مِن أقاصي شرق الصين شرقًا إلى الأندلس إسبانيا غربًا - تَطلَّبَ وقتًا بَدَأه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة المكِّيَّة ثلاثَ عشرةَ سنَة، ثم عشر سنوات في المدينة، ثم تَمَّ الأمْر بَعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- بتِسعِينَ سنةً تقريبًا مِن الإعداد والدعوة والجهاد ... وهو نبيُّ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- ... أقول: لو أدركوا ذلك لَعَلِموا أنهم متخبِّطون، ضائعون، مستغَلُّون، وهم لا يشعرون ...

إنَّ الفتح بالدعوة مقدَّم على الفتح بالقتال؛ لسببٍ واضحٍ جدًّا، وهو أنَّ هذا هو ما فعَله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي عصرنا الحاضر مجالاتُ الفتح - مِن خلال الدعوة والفكر - أثبتَتْ ذلك.

ثامنًا: انشغال دُعاة أهلِ السُّنَّة والجماعة بالردود، وإغفال جانب البناء ...

الرَّدُّ على المنحرفين فكريًّا وعقديًّا مِن أعظمِ القُرَب، وما ذاك إلا لأنَّ فيه الذَّوْدَ عن حِيَاض الشريعة، والدفاع عنها، بل ومِن الحِكَم أصلًا في مشروعية الجهاد - سواءً كان بالنفس، أو بالمال، أو بالكلمة - هي الدفاع عن دِين الله -عز وجل-.

هذه مقدِّمة مُسلَّم بها ... لكنَّ الملاحظ على كثيرٍ مِن الدُّعاة والمربِّين والمعلِّمين للشباب، الاهتمام بهذا الجانب فقط، دون الالتفاتِ إلى البناء والتربية ... والمتأمِّل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يَجِدُ أنَّه يَهتمُّ بالبناء كثيرًا ... ولولا خشية الإطالة لذكرتُ كثيرًا مِن الأمثلة (١).


(١) مثال ذلك: ما رواه البخاري (٧)، ومسلم (١٧٧٢)، في قصة أبي سفيان - في قصة "هرقل" عظيم الروم - خير شاهد. قال هرقل: فماذا يأمركم - يعني: النبي -صلى الله عليه وسلم- - قال أبو سفيان: قلتُ: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والصدقة، والعفاف، والصِّلة. فمع أَحْلَكِ الظروف في مكَّة، وتآمُر الكفَّار عليه، يأمُر بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ...
أضِفْ إلى ذلك - مع الإيجابية بشكل عام - الاهتمامَ بتكْوين العقلية المسْلمة، مِن حيثِ إدراكِ المقدِّماتِ على حقيقتها، وبناء النتائج بشكل سليم ...

<<  <   >  >>