للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكة وهو ما يزال في الميقات، وذلك عملاً بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه برقم (١١٨٧/ ٢٧)، وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: يحرم المسلم عقب صلاة الإحرام، وهو جالس في المسجد قبل ركوب دابته، وقبل قيامه. قال الإمام النووي: "وهو قولٌ ضعيف للشافعي، وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف" (١).

وفي هذا دلالة واضحة على استحباب ركعتي الإحرام لمن أراد حجاً أو عمرة، وأن تصليا في الميقات، كما يُظهر لنا النص فضيلة الإحرام من الميقات وأنّه مقدَّم على الإحرام من دُوَيْرة أهله، بدليل أنّ نبيَّنا محمداً عليه الصلاة والسلام ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه، وشرف الصلاة فيه، وآثر عليه مسجد ذي الحليفة فدلَّ على الفضيلة كما نصّ على ذلك الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (٢).

في جانب الإحرام ترتبط مسألة أُخرى هي غاية في الأهمية ألا وهي تحريم الإحرام بعد جواز الميقات، فمن أراد النسك لم يجز له أن يحرم بعد مجاوزة الميقات الذي ضربه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ فعل فأحرم بعد أن تجاوزه فيلزمه العود ليحرم منه، وتصح عودته ما لم يصل الحرم ويتلبس بنسك فإنْ عاد قبل تلبسه وأحرم من جديد، سقط عنه الدم (٣).

روى لنا مسلم في صحيحه عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه - رضي الله عنه - يقول: "بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها. ما أهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلّا من عند المسجد


(١) صحيح مسلم بشرح النووي ص ٢٦٨، ومن تمام الفائدة قول النووي بعد ذلك: "وفيه أن التلبية لاتقدّم على الإحرام".
(٢) شرح الإمام يحيى بن شرف المعروف بالنووي على صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٦٨ باب: إحرام أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة.
(٣) تهذيب تحفة الحبيب شرح نهاية التدريب للعلامة الفشني ص ٢٠٧.

<<  <   >  >>