له، وتسعى إليه حتى رفعت به الصوت عالياً بالثورة الفرنسية من دعوتها لتحرير الإنسان من رقّ الإقطاعيين والمستغلين والمتنفذين، بينما قدّمته لنا هذه الفريضة بتواضع وسبق واضح، يوم حرّرت المسلم من عبودية أخيه الإنسان، وأخرجت منه خلقاً آخر لا يعرف الضيم، ولا ينام على الظلم من خلال ربطه بعبودية التشريف للإله الحق الذي يدفع الاعتماد على قوته العليا اللطيفة المحيطة بالخلق أجمع، إلى تكسير قيود الاستعباد للشهوات والأهواء، وأرباب النفوذ مهما بلغوا من السطوة والجبروت في صور يعجز عن فكِّ ألغازها الملاحدة ومنكروا الإيمان بالله عزَّ وجلَّ، ومن ورائهم طابور المنافقين الذين يُظهِرون غير ما يُبطنون، ويتفوَّهون بغير ما يعتقدون.
ومن تجلياته تحقيق مبدأ المساواة الذي يحلم به بنو الإنسان دون أن يلجوا إليه عادة من باب موصل صحيح لكن ها هو الحلم يغدو حقيقة ماثلة للعيان في موسم الحج الذي يدعو من خلاله رب العزة جميع المسلمين لدخول ساحة الآخرة في زمان واحد لا يستثنى منه أحد من حجاج بيت الله، ومكان واحد لا تفاضل في رحابه، وبثوب واحد يتقربون به إلى مولاهم الذي دعاهم، ويتقارب به المدعوون فيما بينهم؛ حيث تتجلّى مظاهر التساوي والتوحد والتواضع والصفاء؛ لأنّ الزيّ الخاص بكل إقليم وقطر ينحسر في هذا الحشد فلا يعود له وجود، بينما يتقدّم زيّ بسيط لا صلة له بعادات الناس، ولا بتقاليدهم، وليس له من معنى اللباس إلّا غايته وهو الإزار الذي يلف القسم السفلي ساتراً العورة، والرداء الذي يغطي الكتفين، وكلاهما بلون أبيض ناصع يجدد في الروح تطهير أرضها من مكدّرات النفس الإنسانية.
لباسٌ يستوي فيه السيد والمسود، والأمير والفقير، وتذوب معه سائر الفوارق الطبقية، في مشهد يُضَمُّ إليه التجاء الحجيج بعبودية وانكسارٍ، يذكر أوّل ما يذكر