للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالمين، لذلك أضافه البيان القرآني لذاته العلية في قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} وهو الذي باشر بناءه خليل الرحمن إبراهيم، والذبيح إسماعيل بأمر من ربِّ البيت جلَّ وعلا فهل بعد هذا من تعظيم وتقديس.

غير أنَّ هذه القداسة ما ينبغي أن تسريَ إلى وجدان المؤمن على حساب عقيدته التي قامت على التوحيد الخالص لربِّ العزة، الذي لا يضرُّ ولا ينفع في الوجود سواه، والذي اقتضت حكمته أن يجعل من هذا البيت المشاد شعاراً لتوحيد الله، وإفراد ذاته بالعبادة، ومن هذه الزاوية، وذاك الأمر تتجلى القداسة والعظمة، وليس من أيّ منفذ آخر قد يتسلل منه الجاهلون أوْ دعاة الشرك وعبَّاد الوثن.

يقول أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:

"هذا المعبد الذي أقيم لعبادة الله وحده، يدخله الإنسان ليقف عزيزاً لا يخضع ولا يذلُّ إلّا لخالق الكون كله، وإذا كان لا بدّ للمؤمنين بوحدانية الله، والداخلين في دينه من رابطة يتعارفون بها، ومثابة يؤوبون إليها، مهما تفرقت بلدانهم، وتباعدتْ ديارهم، واختلفت أجناسهم ولغاتهم، إذا كان لا بدّ من ذلك فليس أجدر من هذا البيت الذي أُقيم رمزاً لتوحيد الله، وردّاً على باطل الشرك والأصنام، أن يكون هو الرابطة وهو المثابة لهم جميعاً، يتعارفون في حماه، ويلتقون على الحق الذي شُيِّدَ ليكون تعبيراً عنه، فهو الشعار الذي يجسد وحدة المسلمين في أقطار الأرض، ويعبر عن توحيد الله والعبادة له وحده مهما أقيم من آلهة زائفة وانتصب من متألّهين باطلين على مرِّ الأزمنة والعصور وهذا معنى قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥].

وهذا هو المعنى الذي يلحظه الطائف بالبيت الحرام، بعد أن يملأ قلبه من معنى

<<  <   >  >>