للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستمر النزاع حتى كاد يبدأ القتال بينهم، حتى قام أبو أُمية المخزومي وكان أسنَّ قريش يومئذ ـ فحكم بينهم أنَّ أوّل مَن يدخل من باب بني شيبة ينصبونه حكماً بينهم فوافق أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - أوَّل الداخلين، فهتفوا: هذا الأمين رضيناه، وقضى بينهم بوضع الحجر على رداء يحمل أطرافه رؤساء القبائل فلما نال الجميع شرف نقله إلى الكعبة رفعه رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بيده الشريفة، ووضعه في مكانه من البيت فرضوا جميعاً (١).

المرة الثالثة: حصلت زمن يزيد بن معاوية، يوم غزتها جيوشه بقيادة الحصين بن نمير السكوني، أواخر سنة ست وثلاثين للهجرة، ورمتها بالمنجنيق، وتسببت بهدم أجزاء من البيت واحتراقه فما كان من ابن الزبير بعد أن استشار الناس إلّا أن نقض البيت حتى بلغ به الأرض، ثم باشر في رفعه على قواعد إبراهيم، فأدخل فيه الأذرع الستة التي أخرجت منه من جهة حجر إسماعيل، وزاد في ارتفاعه عشرة أذرع، وجعل له بابين (٢)، مقتفياً أثر السنة الصحيحة التي روتها له خالته السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجَدْر (٣)، أمِنَ البيتِ هو؟ قال: نعم، قالت: قلتُ فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إنَّ قوْمك قصَّرَت بهم النفقة"، قالت: قلتُ: فما شَأْنُ بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قَوْمُك ليُدْخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أنَّ قَوْمك حديثٌ عهدهم بجاهلية، فأَخاف أنْ تُنْكر قلوبهم أنْ أُدْخلَ الجَدْرَ في البيت، وأَنْ ألصق بابَهُ بالأرض (٤).


(١) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين الهيثمي ٣/ ٢٨٩ ـ ٢٩٢.
(٢) فقه السيرة د. محمد سعيد رمضان البوطي ص ٨٨ ـ ٨٩.
(٣) أي الجدار كما في نسخة، والمراد جدار إسماعيل.
(٤) صحيح البخاري برقم (١٥٨٤) واللفظ له، وصحيح مسلم برقم (١٣٣٣/ ٤٠٥)، وفي رواية عنده: "لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله". قال إمامنا النووي: "في الحدث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة بدئ بالأهم ... " شرح النووي على صحيح مسلم ج ٩ ص ٤٥٤.

<<  <   >  >>