للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرة الرابعة: بعد مقتل الزبير وهي مسألة تاريخية هامة لذلك سأَصغي وإيّاك إلى الإمام مسلم بن الحجاج وهو يروي لنا في صحيحه قصة المرَّة الثالثة والرابعة في بناء الكعبة المشرَّفة عهدي ابن الزبير، وعبد الملك بن مروان، وفيه قال: حدّثنا هنَّادُ بنُ السَّرِيّ، حدَّثنا ابنُ أبي زائدةَ، أخبرني ابنُ أبي سليمان عن عطاء قال: لمّا احترق البيتُ زمنَ يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان تَركَهُ ابنُ الزبير حتى قدِم الناسُ الموسِمَ يريدُ أنْ يجرِّئهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيّها الناس أشيروا عليَّ في الكعبة أنقُضُها ثم أبني بناءَها أوْ أُصْلِح ما وهَى منها؟ قال ابنُ عباس: فإني قد فَرِقَ لي رأيٌ (١) فيها أن تُصْلحَ ما وَهَى منها، وتَدَعَ بيتاً أسلم الناسُ عليه، وأحجاراً أسلم الناسُ عليها، وبُعثَ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ابنُ الزُّبير: لو كان أحَدُكم احترق بيته (٢) ما رضي حتى يُجدَّه، فكيف بيتُ ربّكم.؟

إني مستخيرٌ ربّي ثلاثاً، ثم عازمٌ على أمري، فلما مضى الثلاثُ أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناسُ أن ينزل بأوّل الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء حتى صَعِدَه رجلٌ فألقى منه حجارة، فلّما لَم يرهُ الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابنُ الزبير أعمدة فستَّر عليها السُّتُور، حتى ارتفع بناؤه (٣)، وقال ابن الزبير: إني سمعتُ عائشة تقول: إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أنّ الناس عَهْدهم بكفر،


(١) أي كشف لي رأي، ومنه قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ} أي: فصّلْناه وبيَّنَّاه [الاسراء: ١٠٦].
(٢) ربّما هذا ما يؤيد رواية للطبري وغيره أنه، إنما احترق بشرارة انطلقت إليه من نار كانت توقد حوله. اُنظر كتاب فقه السير ص ٨٩ فيما نقله د. البوطي عن تاريخ الطبري ٥/ ٤٩٨.
(٣) قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ٩/ ٤٥٨: "المقصود بهذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلّون في تلك الأيام ويعرفون موضع الكعبة"، ثم قال: "واستدل القاضي عياض بهذا لمذهب مالك في أنّ المقصود بالاستقبال البناء لا البقعة" قال: وقد كان ابن عباس أشار على ابن الزبير بنحو هذا! وقال له: إنْ كنت هادمها فلا تدع الناس بلا قبلة، فقال له جابر، صلّوا إلى موضعها فهي القبلة، ومذهب الشافعي وغيره جواز الصلاة إلى أرض الكعبة ويجزيه ذلك بلا خلاف عنده سواء كان بقي منها شاخص أم لا والله أعلم".

<<  <   >  >>