والحج كذلك تظاهرة رياضية كبرى، يمكنني أن أُطلق عليه:"ماراتون المسلمين"؛ لأن الحاج يقطع في حقيقة الأمر عشرات الكيلو مترات أو أكثر، دون أن يشعر بثقلها، وبأنه فعلاً قطع تلك المسافة، بسبب لواعج الشوق التي تتحرك بين جوانحه للقاء بيت الله، واستغراقه مع الله في العبادة في لقاء ملائكي مهيب، لا يجد فيه المسلم قدرة على منع دموعه من الانهمار بغزارة من عينين تكحلتا أخيراً برؤية البيت، وبمناجاة الله عنده، وفي ربا عرفات والمشاعر.
لو أردنا أن نلقي نظرة عابرة على المسيرة الفعلية التي يقطعها كل حاج أثناء هذه الرحلة، فإنها ستتجاوز مسافة الماراتون الفعلية، ففي مدينة الحجَّاج في جُدَّة يتحرك الحاج سيراً على قدميه من صالة الانتظار الأولى، إلى صالة الجوازات، ومنها إلى صالة الأمتعة، ومنها إلى صالة (شيك الخدمات) وأحياناً يكون موقعها في بداية المطار؛ حيث الصالة الأولى، ومنها إلى مركز البعثة التابعة لبلد الحاج، وأحياناً تقع بعد الصالة العاشرة، ومن ثم يتحرك سيراً على الأقدام من موقع البعثة إلى مكان تجمع الباصات، ومن هناك يتحرك إلى مكة بواسطتها.
البداية الثانية من ساحات الحرم المكي الخارجية التي لا بد منها للوصول إلى أسوار الحرم ولوجاً إلى الأبنية هناك، وصولاً إلى المطاف، الذي نقطعه من محيطه إلى مركز دائرته؛ حيث الكعبة المشرفة التي تُستقبل بطواف القدوم سبعة أشواط، قد تصل مدة الشوط الواحد من ربع إلى نصف ساعة وربما أكثر في أوقات الذروة والازدحام بسبب اتساع محيط الدائرة التي يسير في إطارها الطائفون.
ومن فراغ عبادة الطواف ينتصب الحاج لركعتيه خلف مقام إبراهيم، والمسافة بينهما ليست بالقصيرة وقد تبلغ مئات الأمتار عند الازدحام، ومن ثَمَّ انتقال من موقع