للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الأدب ساقه لنا جابرُ في الرواية الأخرى التي أخرجها البيهقيُّ وابن كثير، في وصف طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال:

"فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، حتى فرغ، فلمّا فرغ قبَّل الحجر، ووضع يده عليه، ومسح بهما وجهه" (١).

وفي رواية أُخرى قال جابر:

"دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأَتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - باب المسجد، فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد، فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء ... " (٢).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: استقبل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي، فقال:

"يا عمر: ها هنا تُسْكَبُ العبرات" (٣).

ومن هذه الروايات مجتمعة يتبيّن لنا أنّه لا معنى من الطواف، ولاجدوى من الرّمل والمشي وتقبيل الحجر إن لم يستشعر العبد أثناء ذلك عظمة الله في قلبه، وإن لم تذرف عيناه بالدموع إشارة إلى الخشية التي عمَّت القلب، وإن لم يلهج لسانه بصدقٍ شكراً لله أن أوصله


(١) البيهقي في السنن الكبرى ج ٥ ص ٧٤، وابن كثير في السيرة النبوية ج ٤ ص ٣١٧، وقد قال: إنّ إسناد هذه الرواية جيد.
(٢) صحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٢١٢ - ٢١٣، وسنن البيهقي ج ٥ ص ٧٤، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٩٥ - ١٩٦، ولم يتكلم عليه بشي، ولم يصدّر روايته له بصيغة التضعيف، كما ذكره الإمام ابن حجر في تلخيص الحبير ج ٢ ص ٢٤٥ - ٢٤٦، ولم يقدح فيه بشيء، بل قوّاه وقال: وله شاهدٌ من حديث ابن عمر اهـ. أي الحديث الآتي تخريجه.
(٣) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ج ٤ ص ٢١٢، ونبه ابن خزيمة إلى ضعف رواية محمد بن عون. وذكره ابن ماجة في سننه برقم (٢٩٤٥) وقد قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي: في الزوائد في إسناده محمد بن عون الخراساني، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما. فالحديث من حيث السند ضعيف، لكنه يقوّيه الحديث السابق.

<<  <   >  >>